بان كي مون في ميانمار وفلسطين- منير شفيق
يصعب على فلسطيني أن يكتب عن مأساة الروهينغا في ميانمار(بورما) وبلاده العربية تشغله وتشغل العالم بما تعانيه من مآسٍ وكوارث وانقسامات وصراعات، وما يُرتَكَب فيها من تفجيرات إجرامية تذهب بحياة العشرات والمئات من الشهداء والجرحى كما حدث في الضاحية الجنوبية من بيروت، ولا تسَل عما يعانيه الشعب السوري والعراقي والليبي واليمني والمصري والتونسي.
ويصعب على فلسطيني أن ينشغل ولو لوقت قصير في مأساة مسلمي الروهينغا، والانتفاضة الثالثة تندلع لتمنع التقسيم الزماني للصلاة في المسجد الأقصى تمهيداً للتقسيم المكاني وبناء الهيكل المزعوم في المكان، وكذلك لتمنع تهويد القدس واستيطان الضفة الغربية، واستفحال الاحتلال وما يرتكب من جرائم وصلت إلى إعدام الفتيان والفتيات في الشوارع. ولكن في المقابل انتفض الشباب والشابات في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وفي مناطق الـ48 لتحويل الانتفاضة إلى انتفاضة دائمة وشاملة… انتفاضة لا تتوقف إلاّ بإجبار جيش الاحتلال على الانسحاب وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط.
نعم ليس سهلاً لعربي ولفلسطيني ألاّ يُركّز ويعطي كل ما عنده من فكر وعمل وجهد لمواجهة النيران المشتعلة في البلاد العربية وفلسطين. ولكن أخبار ميانمار وما يعانيه جزء من شعبها وصلا حداً يجبران العربي والفلسطيني ليعلن وقوفه إلى جانب ذلك الجزء من الشعب المعروف بمسلمي الروهينغا، ويصرخ بأعلى الصوت ضدّ الجرائم التي تُرتَكَب بحقه من جانب متعصبين وبغطاء من الحكومة وحتى المعارضة. والأنكى في ظل سكوت يصل إلى حدّ التواطؤ من جانب الذين يدّعون أنهم من أنصار حقوق الإنسان أو المدافعين عن الديمقراطية في العالم.
وأوّلهم بان كي مون أمين عام هيئة الأمم المتحدة الذي أصبح صوته أبحاً إزاء ما يُرتَكَب بحق الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة من جرائم حرب يقترفها نتنياهو وحكومته وجيشه، كما أصبح صوته أبحاً لا يكاد يبين في ما يتعلق بالانتهاكات الفظيعة التي تُرتَكَب في ميانمار بحق مسلمي الروهينغا. وإذا كان بان كي مون قد اضطر إلى التعرض لما يجري في فلسطين فيعمد إلى أن يساوي بين المُعتدي والمُعتدَى عليه، وبما يخفف إلى الحدّ الأدنى من جرائم نتنياهو فضلاً عن التجاهل التام بالنسبة إلى الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الأقصى.
ولكن بالنسبة إلى الروهينغا فهو لا يشير إليهم إلاّ بمناشدة قادة ميانمار بتوسيع المشاركة الانتخابية ومراعاة حقوق الانسان كأن الروهينغا لا يشكلون فئة لها اسمها وهويتها وتتعرّض لما لم يتعرّض له شعب من الشعوب في بلده ووطنه ومن بني جلدته من نكران لأبسط الحقوق الإنسانية والمدنية والوجود على أرض الآباء والأجداد. فالروهينغا من السكان الأصليين في ميانمار (بورما) وذنبهم الوحيد الفارق تبنّيهم لدين الإسلام فيما أغلبية الشعب تدين بالبوذية.
والأعجب أن البوذية خارج ميانمار اشتهرت بالتسامح واللاعنفية أو في الأقل هذا ما نقله الكثيرون عنها. أما العجب العجاب فكوْن فئة واسعة من رهبانها هم من يقفون وراء كل اضطهاد وتنكيل وإبادة بحق الروهينغا الذين يلتزمون بأعلى درجات ضبط النفس، ولا يردّون على العنف بالعنف ولا حتى بأشكال الاحتجاج السلمي، ولا السياسي، ولا الأيديولوجي عدا تمسّكهم بدينهم والقيام بما يقتضيه من عبادات فقط. وهو ما لم يفعله شعب آخر في العالم تعرّض إلى عُشْر ما تعرّض له الروهينغا من مظالم.
هذا الموقف المعيب الذي يتخذه أمين عام هيئة الأمم المتحدة يأخذه قادة الدول الغربية كما الصين وروسيا ودول كثيرة من بلدان العالم الثالث: موقف اللامبالاة وكأن شيئاً لا يحدث في ميانمار. هذا دون الإشارة إلى من يقيمون العلاقات المتينة مع حكام ميانمار العسكريين أو مع زعيمة المعارضة أون سان سو تشي الحاملة لجائزة نوبل بسبب دفاعها عن حقوق الإنسان وقد فاز حزبها مؤخراً في الانتخابات النيابية. وقد تجاهلت طول الوقت مشكلة الروهينغا في بلدها وفي برنامجها الديمقراطي. وهي الآن أمام امتحان عسير إذا ما تسلّمت السلطة بالسلاسة المطلوبة. وذلك بالكيفية التي يفترض بأن تتعامل بها مع الروهينغا وحقوقهم.
الأمر نفسه من حيث اللامبالاة والتقصير شمل العدد الأكبر من منظمات حقوق الإنسان الدولية عدا مَنْ رَحِمَ ربي ورفع صوته دفاعاً عن قضية “شعب” الروهينغا العادلة.
أما الدور الذي يلعبه أغلب قادة العرب والمسلمين بالنسبة إلى قضية الروهينغا فهو دون المستوى في أحسن الحالات وبعضه معيب أيضاً في تجاهله لهذه القضية. ولكن ما العجب إذا كان أولئك البعض يتعاملون مع قضيّة فلسطين وشعبها بعيبٍ أكبر وعارٍ أشدّ.