موسكو وواشنطن: لا بديل عن أنقرة عامر نعيم الياس
دافع البيت الأبيض والخارجية الأميركية عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» الإخواني الحاكم في تركيا. الرد الأميركي المباشر على روسيا جاء بعد مقطع الفيديو الذي بثّته وزارة الدفاع الروسية والذي يثبت بالدليل القاطع تورّط أنقرة في تجارة النفط مع «داعش».
المدافع الأول عن أنقرة في مواجهة موسكو كانت واشنطن عبر لعبة النفط، والصحافة الأميركية بالتوازي مع دفاع بلادها عن أنقرة نشرت تقارير حول الضربات الجوية لقوات تحالف أوباما التي استهدفت منشآت نفطية لـ«داعش» وساهمت «في تخفيض ناتج داعش من النفط». هو سباق على قصف نفط «داعش» وبنيته التحتية الاقتصادية بين موسكو وواشنطن، ملف أصبح مقياساً لجدية عمليات تحالف في سورية على حساب تحالف آخر، هذا ما تريد واشنطن أن تروّج له في الأساس، ثم تُرمى الاتهامات السياسية جزافاً كلٌّ على الطرف الذي يعاديه، إذ اتهمت واشنطن الدولة السورية بكونها أكبر مستهلكٍ لنفط «داعش»، بذلك يفقد أي دليل حسي، كالذي قدّمته وزارة الدفاع الروسية، أي أهلية له وقدرة دولية على الحشد، خصوصاً أن الفيديو الذي يُظهِر مئات الشاحنات المتّجهة من سورية إلى تركيا وبالعكس، يضع أنقرة في موقف الدولة المارقة في مواجهة مجلس الأمن الدولي وقراراته الخاصة بتجفيف مصادر تمويل تنظيم «داعش» الإرهابي في سورية والعراق.
الولايات المتحدة التي تدرك حجم الأزمة الروسية التركية وتداعياتها على أمن المنطقة والعالم، استخدمت التضليل مرةً أخرى بتصريح لوزير خارجيتها جون كيري حول ما أسماه ضرورة ضبط تركيا لـ«98» كيلومتراً من حدودها مع سورية لا يزال تنظيم «داعش» يستخدمها. البعض رأى في تصريح كيري مؤشراً لانعطافةٍ أميركية إضافية في الملف السوري، لكن ذلك إذا ما قورن مع الدفاع المستميت عن أنقرة بوجه موسكو، فإنه يفقد أهميته ولا يعدو عن كونه محاولةً لاحتواء ردود الفعل الدولية عموماً والأوروبية خصوصاً عن الدور القذر لتركيا في الحرب السورية وانعكاسه على أمن أوروبا بالدرجة الأولى.
الواضح في سياق لعبة كسر العظم الدائرة في سورية بين موسكو وواشنطن، إدراك الكرملين محورية الدور التركي في الاستراتيجية الأميركية في سورية بشكل عام، واستراتيجية مواجهة التدخل العسكري الروسي في سورية بشكل خاص، لذلك قام خطاب بوتين أمام الجمعية الفيدرالية على نقطتين أساسيتين، الأولى توجيه التحية إلى العسكريين الروس الذين يحاربون الإرهاب في سورية «دفاعاً عن روسيا». والثانية، سرد الدور التركي المعادي لروسيا خلال حرب شمال القوقاز في القرن الماضي، وتحديد شكل الرد الروسي على قيادة تركية «يبدو أنها فقدت عقلها»، إذ يخطئ من يعتقد أن الردّ الروسي الهادئ والمنضبط يقتصر فقط على «الطماطم» أي العقوبات الاقتصادية، فموسكو «تعرف ما عليها أن تفعل».
إن التصعيد الروسي الواضح في خطاب بوتين، ومحاولة الانتقام المبرمجة لصورة روسيا كقوة دولية، وإن كانت تأتي في سياق الرد على العملية التركية، إلا أن واشنطن هي التي يريد الروسي أن تصلها الرسالة، سواء لجهة العمليات في سورية وشرعيتها وعلاقتها بالأمن القومي الروسي، أو سواء لجهة ضرورة الاعتراف بالرئيس بوتين كرئيس عالمي وبروسيا كقوة عالمية عظمى لها حصتها من النظام العالمي الجديد الذي لا بدّ أن يتشكل مهما تعددت محاولات عرقلة ذلك.
(البناء)