متى تحسم المقاومة في عرسال؟ ابراهيم ناصرالدين
صليات مدفعية الجيش اللبناني باتجاه تحركات «جبهة النصرة» في جرود عرسال، جزء لم يكتمل بعد من الرد المفترض على كل من حاول «حياكة» «ثوب جميل» لهذه المجموعة «التكفيرية» وتقديم شهادة حسن سلوك لتنظيم القاعدة في بلاد الشام. انتهت تسوية اطلاق العسكريين، وغدا يوم آخر، بالنسبة الى المؤسسة العسكرية وحزب الله، لن تتحول مجموعة من القتلة الى «ملائكة»، وما قاموا به من استعراض للقوة امام وسائل الاعلام، سيكون ثمنه غاليا، سيرتد هذا الفعل «الدعائي» سلبا على تلك المجموعات بعد ان شاهد الراي العام اللبناني «بأم العين» ما سبق وحذرت منه المقاومة من مخاطر مقيمة في عرسال وجرودها، وهذا سيسهل في المرحلة اللاحقة اتمام وعد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بتحرير كافة الجرود من الارهابيين، ما سيضع الدولة باجهزتها السياسية والامنية مجددا امام استحقاق تفكيك «لغم» عرسال.
هذه الخلاصة لاوساط قيادية بارزة في 8آذار، تعرف جيدا كيف تفكر قيادة المقاومة، وتشير الى ان المرحلة المقبلة ستشهد بداية وضع اللمسات الاخيرة على استكمال عملية «تنظيف الجرود من المسلحين بعد ان كانت مسألة العسكريين «عقبة» رئيسية امام اتمام هذا الامر، اضافة الى تردد الدولة في اتخاذ قرارات حاسمة لوضع حد للفلتان الامني في عرسال. لا يعلن حزب الله عادة بدء وانتهاء مواعيد عملياته العسكرية، لكنه لم يكن منذ اليوم الاول لانطلاق معركة الجرود مستعجلا على الحسم النهائي، انجز في المرحلة الاولى عملية قضم الجغرافيا مضيقا الخناق على ما تبقى من مسلحين، وما تم التفاهم عليه من بنود للتسوية بين الحكومة اللبنانية والنصرة بوساطة قطرية، لا يلزمه بشيء.
البنود المتعلقة بفتح ممر إنساني آمن بين مخيم اللاجئين في الجرود وعرسال، وتقديم مساعدات إغاثية شهرية للاجئين من خلال الهيئات الإنسانية، ومعالجة جرحى سوريين في الاراضي اللبنانية وتسوية أوضاع إقاماتهم، وتأمين المواد الطبّية لمشفى عرسال وتجهيزه، تحويل وادي حميد إلى منطقة آمنة للاجئين السوريين، ولن تغير من الوقائع على الارض، لن تستطيع «النصرة» تحويل هذه الامتيازات الى مصدر للقوة، عمليا هي موجودة في المنطقة حتى الان، لان المقاومة لم تتخذ بعد قرارها بانهاء العملية، وظيفة المسلحين انتهت عمليا في تلك الجرود الصعبة، الاطباق على دمشق بات مستحيلا، الدخول الى الاراضي اللبنانية انتحار ومغامرة بالنسبة لهؤلاء المسلحين ولا يمكن تحمل نتائجها، ويبقى لقيادة المقاومة التقدير لحسم الوقائع عندما تتهيأ الظروف الميدانية المرتبطة بجبهات اخرى مفتوحة.
وبحسب تلك الاوساط، فان هذا الخيار العسكري والامني المفتوح تقابله ثغرة مهمة يمكن النفاذ منها، اذا احسنت قطر كدولة راعية لتلك المجموعة المسلحة، استغلال «القناة» الانسانية التي فتحت مع قيادة حزب الله لاقفال هذا الملف الشائك، فالدوحة قد تكون امام فرصة سانحة لاخراج تلك المجموعات من حصارها في تلك المنطقة المعزولة، ومع فقدان القدرة على الاستثمار السياسي لوجودها هناك، قد تكون مسألة اخراجها الى مناطق في الشمال السوري خيارا متاحا، اذا ما توفرت الظروف والشروط الملائمة لذلك، عامل الوقت قد يكون حاسما للبت في هذه المسألة، وبعد حين اذا لم تنضج ظروف تسوية مماثلة، فان بعض الضغط العسكري على الارض، والاستعانة ببعض الضربات الجوية الروسية النوعية من الجو، سيسهل اتمام الصفقة.
بعض المؤشرات الاخرى قد تكون مساعدة في هذا السياق، فجبهة»النصرة» تراهن على الوقت وتظن انها ستتحول اجلا او عاجلا الى طرف مسلح مقبول على الساحة السورية، وتترقب نزع صفة الارهاب عنها، ولذلك ارادت من خلال صفقة العسكريين ان تظهر وجها انسانيا وواقعيا وبراغماتيا، يمكن التفاوض معها والوصول الى ترتيبات ميدانية كمقدمة لتفاهمات سياسية. وتتلاقى هذه الرهانات على «تلميع» الصورة، مع بدء اجهزة استخباراتية غربية بالتعاون مع اخرى عربية التمهيد لفتح قنوات اتصال سرية مع تنظيم «داعش» تحت حجج واهية تقوم على اساس الحاجة الى طرف سني على الارض للحديث معه، وبعض المعلومات تشير الى خلاصات لدى تلك الاجهزة تفيد بانه حتى لو توفرت القوة لهزيمة «تنظيم داعش» فلن يتم قتل الفكرة التي تدفعه، وهذا يقتضي خطة سياسية، فالتفاوض هو المطلوب وبهذه الطريقة تنتهي الحرب، القتال وحده لا يستطيع انهاء الامر، خصوصا ان اي من الجيوش الغربية لا يريد التدخل بريا، وثمة استحالة لاشراك قوات عربية مشغولة اصلا في حرب اليمن، ولا احد يريد ان يقدم انتصارا للجيش السوري وحزب الله وايران وروسيا على «طبق من فضة». وامام هذه التسريبات عن بدء التفكير بالتفاوض مع «داعش» فان النصرة ترى ان الوقت لا يعمل لصالحها وتريد ان تحجز لنفسها مكانا على «الطاولة»، ولهذا بدا التنظيم على عجلة من امره، في الصفقة الاخيرة.
وتراهن جبهة «النصرة» على حاجة الغرب الى «جيش سني» لملء الفراغ في منطقة قد تكون مقبلة على التقسيم، فالدوائر الاستخباراتية الغربية بدأت تتحدث جديا عن انهاء الصراع عبر منح السنة حصة كبيرة من نتائج المعركة من خلال إنشاء دولة سنية تربط مناطق ما بين مناطق العرب السنة في كل من العراق وسوريا، فاي من القوى المؤثرة لم تعد متمسكة بحدود سايكس – بيكو المصطنعة ولا يظن الكثيرون أن العراق وسوريا سيعودان كما كانا قبل اندلاع المواجهات الدامية، خصوصا ان لدى الغرب مصلحة بهذا الخيار للخروج من دوامة الحرب الطويلة والتهديد الإرهابي المستمر ووقف أزمة اللاجئين، وقد يكون الحل بانشاء دولة «مصطنعة» لهؤلاء تأمل «النصرة» ان تلعب فيها الدور الرائد، ولذلك قد يكون «ترحيل» مسلحيها من الجرود متاحا اليوم اكثر من اي يوم مضى…
حسابات «جبهة النصرة» لن تتقاطع ابدا مع مصلحة حزب الله، وكذلك الدولة السورية كطرف معني باي تسوية من هذا القبيل، التطورات الميدانية في سوريا ستكون حاسمة لجهة تحديد الاولويات لدى المقاومة، ثمة معركة كبرى مترقبة في حلب وريفها وصولا الى ريف ادلب، الوقت سيلعب دورا محوريا لتحديد ماهية التطورات المرتقبة على الحدود اللبنانية السورية، وما قد يكون مقبولا اليوم قد يكون مستحيلا القبول به في الايام والاسابيع المقبلة، ستكون هناك الكثير من المتغيرات، ولكن الثابتة الوحيدة ان حزب الله لن يتعايش طويلا مع وجود تلك المجموعات في «الخاصرة» الشرقية، انجز نحو 90 بالمئة من مهمة اقفال الحدود اللبنانية، لم يتعود سابقا على ابقاء اي ثغرات وراءه، ولن يغير عاداته، اثبتت تفاصيل صفقة اطلاق العسكريين انه اكثر «اللاعبين» قدرة وفعالية على مستوى المنطقة، يملك الكثير من الامكانات لتحقيق استراتيجيته الواضحة منذ اليوم الاول للحرب على سوريا، بينما ما يزال بعض «السذج» يطرح اسئلة على الشعب اللبناني من نوع «هل لا زلتم تعتبرون «جبهة النصرة» إرهابية»؟.
(الديار)