مقالات مختارة

التصعيد إزاء سورية: عن أيّ حرب برّية تتحدّثون؟ عامر نعيم الياس

 

بدأ الإعلام والنُخَب الغربية حملةً إعلامية تتحدّث عن الردّ الدولي الإقليمي في سورية، قادها عن الولايات المتحدة السيناتوران ليندسي غراهام وجون ماكين، واكتسبت بعدها الإقليمي من تصريح رئيس حكومة أردوغان حول «التدخل البري لبلاده في سورية إلى جانب السعودية ودولة أخرى» لم يذكر اسمها مطلقاً، مشدّداً على أن حدود بلاده مع سورية هي «حدود حلف شمال الأطلسي».

            

عضوا مجلس الشيوخ الأميركي دعيا «الرئيس أوباما إلى نشر الآلاف من قوات الولايات المتحدة لمحاربة داعش في سورية والعراق، في شراكة مع الحلفاء الإقليميين… وبعد ذلك سنتحول نحو الأسد لنقول له عليك أن تتنحى، وإننا سنواجه الأمة من السفارة الأميركية في بغداد، وروسيا وإيران ستكونان في الخارج لمشاهدة جيشٍ إقليميٍ بكامله، وهنا ستوافقان على مضض».

ما سبق يطرح جملة أسئلة منها، الموافقة على ماذا، التخلي عن الأسد؟ وهل ستجري الأمور كما تشتهي سفن السعودية والإمارات وتركيا وبعض أعضاء الكونغرس في سورية؟ ماذا عن حدود العملية البرّية التي ينوي تحالف أوباما شنّها في سورية وما هي تركيبة القوات التي ستدخل سورية ومن ستواجه وأين ستتموضع ومن أين ستدخل؟ وبعد كل ما سُئل، لماذا فوجئ الرأي العام وبعض النخب المؤيدة بهذا الطرح، هل من جديد، أم أن التفاؤل بالحل جعل من التلويح بالحرب أداةً للإحباط؟

ما هو الجديد في الوضع السوري، وما الذي طرأ حتى أصبح البعض يتخيّل إمكانية التدخل البري في سورية لقلب نظام الحكم والإطاحة بالدولة السورية، هل هو التدخل الروسي؟ هذا السؤال يشكل المدخل فما منع التدخل الأطلسي الإقليمي في سورية طيلة سنوات خمس خلت هو قوة الردع في سورية والتي لا تزال على حالها وتحافظ على غالبية قدرتها التدميرية هذا أولاً. وثانياً إيران التي هددت بحرب إقليمية عشية نيّة أوباما التدخل في سورية في آب 2013، لم يطرأ على سياساتها أي تعديل، بل زادت من حجم انخراطها في سورية، وأكد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية مراراً وتكراراً قوة العلاقات السورية ـ الإيرانية ومتانتها، وما ظهور الجنرال قاسم سليماني في ساحات القتال في سورية إلا خير دليل على مستوى العلاقات السورية الإيرانية ووحدة الجبهة بين الطرفين، فضلاً عن حزب الله ودوره الاستثنائي في سورية. ثالثاً، لا بدّ من الدخول عبر الحجة الروسية التي تشكل حسب البعض المدخل إلى واقعية زج الغرب بقوات على الأرض في سورية، لإثبات العكس وذلك انطلاقاً من الآتي:

– روسيا في سورية «لم تتدخل من دون التشاور والتنسيق مع إيران» هذا ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه مرشد الثورة الإسلامية في طهران، وبذلك كرّس التحالف مع الجمهورية الإسلامية في سورية.

– إسقاط الطائرة الروسية من جانب الأتراك، دفع موسكو إلى تعزيز وجودها العسكري الكمي والنوعي في سورية وغطّت منظومة صواريخ «أس 300» و«أس 400» السماء السورية، وتحوّلت البلاد بكاملها إلى منطقة آمنة أو بمعنى آخر منطقة حظر طيران للأطلسي وشركائه.

– كثّفت القوات الجوية الروسية ضرباتها على الحدود السورية التركية ودعت وزارة الدفاع الروسية إلى معاقبة القنوات التي تموّل الإرهابيين مظهرةً شريط فيديو يظهر حجم عمليات تهريب النفط بين «داعش» وتركيا، كما رفض الرئيس الروسي لقاء نظيره التركي في قمة باريس للمناخ، فهل يوجد تصعيد بين روسيا وتركيا واستنفار روسي مطلوب أكثر من ذلك؟

– الولايات المتحدة والأطلسي والاتحاد الأوروبي دعيا إلى التهدئة بين موسكو وانقرة، ولا مؤشر على نيّة هؤلاء الانجرار إلى حرب عالمية ثالثة ستشارك فيها الصين حتماً في الشرق.

– الكيان الصهيوني انضبط وفق الإيقاع الروسي في سورية، وهو مؤشر بالغ الأهمية على التقدير الحقيقي لدى «تل أبيب» لميزان القوى في سورية وجدية التدخل الروسي الذي لن يسمح لأحد باختطاف دمشق من موسكو.

– كيف ستدخل القوات البرية للتحالف المزعوم، ألم تدخل من الحدود التركية السورية، وممن ستلقى مقاومة، ومن هو هدفها؟ هدفها قلب نظام الحكم وبالتالي ستشتبك مع الجيش السوري والقوات الرديفة من حزب الله إلى إيران، هنا ما دور الطائرات الروسية ومنظومات الدفاع الجوي؟ لإسكاتها على القوات البرية المدعومة أميركياً أن تحتل قاعدة حميميم، فهل هذا سيناريو منطقي؟ هل تستطيع احتلال حميميم وطرد الروس منها بعد ارتكاب مجزرة بحق القوة الخاصة المكلفة حماية القاعدة، أم أن روسيا ستستسلم؟

رابعاً، تجدر الإشارة إلى أن جون ماكين وليندسي غراهام من المحافظين الجدد، وهما لم يتوقفا ولا للحظة عن دعوة إدارة أوباما إلى احتلال سورية، فما الذي تغيّر اليوم ولماذا الخوف مما هو ليس بجديد؟

سورية ليست اليمن مع احترامنا للقتال المشرّف لـ«أنصار الله» والجيش اليمني في مواجهة آلة القتل السعودية الخليجية الأميركية في اليمن. سورية لديها قوة صاروخية وعسكرية يحسب لها حساب، وعلى أراضيها قوة عظمى قارعت العالم على الدوام وحدها، وإلى جانبها قوة إقليمية أجبرت واشنطن على الاعتراف بها كقوة نووية، فمن أين ستأتي القوات البرّية وما هي حظوظها في ضوء ما سبق؟

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى