وهم السيادة: عميره هاس
يوجد بُعد ايجابي واحد للاقتحامات العسكرية لمناطق «أ» و «ب». نعم، بما في ذلك هدم استوديوهات محطة راديو واقتحام المستشفيات. رغم الزعزعة والتنديدات فان الاقتحامات هي درس عن الواقع، حيث تحطم هذه الاقتحامات لبضع ساعات وهم السيادة الفلسطينية. إنها سيادة وهمية، مُقسمة ومُمزقة. لذلك فهي وهم، لكنه وهم ناجح.
يعتقد موظفو محطة الراديو في الخليل أنهم يستطيعون ابلاغ المستمعين عن مكان تواجد الجنود، وكأنهم يعيشون في دولة مستقلة. إن مستخدمي الفيس بوك الفلسطينيين يعيشون في وهم مزدوج. فهم يرون من خلال السايبر العالم الحقيقي ويقتنعون أنه سيدافع عنهم في وجه الاقتحامات والاعتقالات. الاطباء يقومون بعلاج المصابين باطلاق النار وينسون أن السيد هو جيش الدفاع عن المستوطنات، وأنه لا يعترف بحصانة المؤسسة الطبية. محمود عباس يستقبل سفراء الدول ويقوم باعتمادهم، لكن خروجه يحتاج إلى إذن من الجيش الإسرائيلي. المحاضرون من الخارج يزعزعهم اقتحام قوات الأمن الإسرائيلية لجامعة القدس في أبوديس، ويتبين أن دروس الجغرافيا السياسية توقفت في سنة 1993، حيث قطفت الصهيونية أحد أكبر نجاحاتها العسكرية والسياسية.
اضافة إلى طرد أو «تشريد» جميع الفلسطينيين، هذه هي النتيجة الاكثر ترانسفيرية التي كان يمكن الحصول عليها. الظروف السياسية الدولية لم تسمح (من جديد) اخلاء المنطقة من سكانها الفلسطينيين فتم الاعلان في حينه عن المحميات «أ» و «ب». هذا الاعلان كان اعلانا مؤقتا وفيما بعد تحول إلى دائم. وليس مهم الآن معرفة ما إذا كان قادة صهيون أرادوا ذلك عندما قاموا بحياكة الاتفاق المرحلي. النتيجة واحدة: سيادة فلسطينية وهمية في كبسولات. وهي أحد اسباب عدم إقلاع الانتفاضة.
إن الحواجز التي توجد حول المخيمات تعمل على كبح أي مظاهرة للجموع الغفيرة إذا حاولت، مثلا، التقدم نحو مستوطنة تمتص الحياة وتبتلع الاراضي. لكن الأكثر نجاعة بالنسبة للمصلحة الإسرائيلية هو التعود على الوهم. داخل حلقات سكانية يعيش المستوطنون بشكل قريب من الطبيعية. في تل الرميدة يسود هدوء يجمد الدم. من وراء الاسمنت الذي يفصل الحي يُسمع الضجيج في الخليل، صافرات السيارات، الباعة في السوق والمارة الذين يتحدثون. في فنادق أريحا الدافئة وفي فنادق رام الله تُقام ايام دراسية ودورات، وعلى بعد نصف ساعة سفر من هناك باتجاه الشمال تقوم الادارة المدنية بهدم منازل القرية الصغيرة حديدية، ويطرد الجيش مجددا 13 عائلة من خربة حمصة، التعليم في جامعة النجاح يسير بانتظام، وعلى بعد كيلومترات إلى الجنوب يقتحم المستوطنون قرى مادما وبورين ويزرعون الرعب هناك.
الى أي حد وهم السيادة قوي. يمكن معرفة ذلك من القدس الشرقية، ايضا الفلسطينيون مواطني إسرائيل يسافرون احيانا إلى المحميات ويشعرون بنوع من الراحة والتخفيف، حيث لا يوجد تواجد عسكري أو عنصرية إسرائيلية. هذا الشعور بالتخفيف يزداد مع اجتياز الخط الاخضر، في مسار الجدران المرعب والجدران الحديدية والرشاشات المصوبة.
السلطة الاجنبية وقمعها مُقسمان ويختلفان من منطقة فلسطينية إلى اخرى، والفلسطينيون يجدون صعوبة في ايجاد اجابة واحدة للعنف الإسرائيلي. هكذا تنشأ ظاهرة سكاكين الأفراد: بدون خيار. إنها خصخصة الدافع الطبيعي والعام للانتفاض، الرد على العنف الإسرائيلي المفكك والمنقسم إلى عشرات النماذج التي كما يبدو لا صلة لها ببعضها البعض، خصخصة الصراع هي عكس الانتفاضة التي هي انتفاض جماعي. ولكن لأن هذه مجرد ظاهرة، فانها رسالة داخلية بأن الطبيعية في المحميات ليست طبيعية.
هآرتس