كرم الضيافة عند «النصرة»… برعاية «أم تي في» و«الجزيرة» زينب حاوي
خرج العسكريون المختطفون الـ 16 الى الحرية بعد عام و8 أشهر من الإذلال والإنتظار ودموع الأهالي، والدماء التي سالت من 4 عسكريين قتلوا بدم بارد، وكان مسرح موتهم على الشاشات. خرج العسكريون بأثمان باهظة، وربما مذّلة للدولة اللبنانية. لكن العيون بقيت شاخصة، كما في كل مرة إلى الإعلام، المحلي والفضائي.
فبعدما جنّدت نفسها، طيلة الأيام الماضية، لنشر معلومات وتفاصيل عن صفقة التبادل، ولو كان أغلبها مغلوطاً، لم تستطع القنوات اللبنانية هذه المرة أن تكون حاضرة على مساحة بلدها في جرود عرسال التي باتت تحتلّها جبهة «النصرة» وتنشر راياتها السود عليها. اكتفت هذه الوسائل بإعادة البث عن mtv و«الجزيرة» مع تغطية مكثفة من خيم أهالي العسكريين في رياض الصلح. مشاهد الرايات السود وعناصر «النصرة» المسلحين، رأيناها على شاشة mtv، القناة المحلية الوحيدة التي أخذت الحق الحصري في أن تكون حاضرة هناك، والنقل الحيّ لمجريات الصفقة لحظة بلحظة. علماً أنه سبق لقناة «المرّ» أن أخذت ما سمته «سكوب»، في 20 تموز الماضي، عندما ذهب مراسلها حسين خريس الى جرود القلمون، مواكباً زيارة أهالي العسكريين لذويهم. يومها، جلس أبو مالك التلي أمير «النصرة» في القلمون، مموهاً، وأعطى مقابلة لخريس توعّد فيها وهدد، وزاد من منسوب شروط التفاوض لإخراج المخطوفين. تُرك له الهواء من دون أن يتخذ المراسل الشاب معه أي مساحة نقدية مهنية.
والأمر نفسه تكرر في التغطية الحصرية لـ mtv أمس. بدا خريس أسيراً آخر لدى «النصرة»، لا يستطيع التحرك ولا الكلام الإ بإذن وإشارة من المقاتلين هناك. تعاطى مع هذا الفصيل الإرهابي الى درجة الإنحياز، وأصرّ على إجراء مقابلات مع الجنود اللبنانيين الأسرى وهم مستلبو الإرادة، فما كان منهم سوى كيل المديح والشكر للجبهة و«حسن معاملتها». خريس أسره مشهد أراد تظهيره على الشاشة: هكذا، لفّته الأعلام السود التابعة لـ «النصرة» من الخلف، وراحت كاميرته تنقل صيحات التكبير للمقاتلين. رأينا «كرم» الضيافة عندما وزّع هؤلاء الحلوى والعصائر، وعمدوا الى مداعبة أولاد طليقة البغدادي سجى الدليمي أمام الكاميرات. وسمعنا على لسان أحد شيوخهم «لسنا جماعة إرهابية، بل نحن أصحاب رسائل سماوية». يكفي هذا التصريح لتبيان هدف الجبهة الارهابية التي أرادت من خلال كل هذه المشهدية استدراج الاعلام اللبناني الى تبييض صفحتها وتظهير نفسها بوصفها جهة «معتدلة» مختلفة عن «داعش» تفاوض الآخر، وتعامل أسراها بطريقة انسانية.
خطوة mtv لاقت العديد من ردود الفعل المنددة، بخاصة لجهة أداء خريس الموجود على أرض «النصرة»، والذي تصرف على هذا الأساس وربما أكثر. عاب عليه كثيرون هذا الأداء، وخصوصاً زملاءه الإعلاميين. لكن، ينسى كثيرون أنّ هذا الأداء كان نفسه عند مختلف مراسلي المحطات اللبنانية في قضية مخطوفي أعزاز، حين حجّت التلفزيونات المحلية الى هذه البلدة السورية وصنعت من الخاطف «ابو ابراهيم» نجماً تلفزيونياً وشخصية مسالمة ومضيافة.
الضجة الإعلامية في لبنان بين نشوة mtv بالنقل الحصري، والإستفاقة على التنظير لأخلاقيات المهنة، لم يلحظها الفضاء العربي، مع تفرّد «الجزيرة» بنقل حيّ لمجريات عملية التبادل مع مدير مكتبها في بيروت مازن إبراهيم. صال الأخير وجال بحرية بين مواكب المقاتلين والصليب الأحمر. لم يكن يحتاج الى إخراج تلفزيوني من «النصرة» التي كان عناصرها يجولون أيضاً بكاميراتهم المتطورة. كان ناطقاً رسمياً بإسمهم. شدد في كل رسائله على أن «النصرة» تندرج ضمن الفصائل السورية المعارضة. وبذلك، نفى أوتوماتيكياً صفة الإرهاب عنها. القناة القطرية كان تحتفي أمس بنجاح وساطة بلادها في صفقة التبادل. كانت الرايات السود تزين شاشتها. أصرّ المراسل، ومعه المذيعة في الاستوديو على نفي أي تهمة عن المجرمين الذين كانوا يقبعون في السجون اللبنانية، بل اعتبروهم «أسرى» عند الدولة اللبنانية. لم يكن جديداً على «الجزيرة» هذا الأداء، والمواكبة للجماعات الإرهابية، فقد خبرته عام 2013 بعيد إطلاق راهبات معلولا. وقتها أجرت مقابلات معهن، فشكرن جلادهن، ودافعت القناة عن إحتجازهن القسري بتبنيها رواية الخاطفين بأنهم أنقذن الراهبات «خشية مقتلهن بنيران النظام»!.
(الأخبار)