يوم التطبيع مع «النصرة»! لينا فخر الدين
بالأمس، كان غالبيّة اللبنانيين يراقبون التحضيرات اللوجستيّة لإنجاز صفقة العسكريين. انفردت قناتا «الجزيرة» والـ «ام. تي. في» اللبنانيّة في نقل ماذا يجري. كان المشاهدون مندهشين لما يحصل في وادي الخيل: أرض لبنانيّة فيها منازل ومحال تجاريّة، حتى بعض الأطفال كانوا يقفون على الشرفات المحيطة يصفقون ويرقصون ابتهاجاً، من دون أن يعلموا، على الأغلب، لماذا هم فرحون.
كلّ هذا كان بالنسبة للمشاهد عادياً وإن كان البعض منهم يدقّق بهذه الأرض التي لم يرها سابقاً، فقط سمع عنها في نشرات الأخبار. العين كانت موجّهة على أصحاب البذلات العسكرية الصحراوية وأولئك الذين غطّوا وجوههم بشالات سوداء. يحمل البعض منهم رايات سوداء كتب عليها: «لا إله إلا الله»، فيما البعض الآخر كان يتنقل برشاشاته الحربيّة. آخرون يحملون كاميرات صغيرة متطوّرة لتوثيق اللحظة. وغيرهم يحملون أجهزة اتصال لاسلكيّة يتحدّثون بها كلّ حين، فيما اختار البعض الآخر أن يقف على ظهر السيارات الرباعيّة الدفع، وآخرون كانوا يتنقلون على دراجات نارية صغيرة بين المارة، يواكبون سيارات الصليب الأحمر ثم يعودون أدراجهم. صبيةً لا تتعدّى أعمارهم الـ10 سنوات عصبوا رؤوسهم ويوزّعون العصير.
واحد من الذين يقفون بين الصحافيين الأمنيين، عصب وجهه مثل الباقين ولكن حركته تدلّ على أنّه الأهم بينهم. كلّما يتحرّك يتحرّك حوله الآخرون. لباسه يشبه الصور الموزّعة عن زعيم «النصرة» في القلمون أبو مالك التلي. يحمل الرجل بيده ورقة بيضاء كتب عليها أسماء الموقوفين والموقوفات في السّجون اللبنانيّة ويقوم بتحديد آليّة التسلّم والتسليم.
إذاً، هؤلاء هم مقاتلو «جبهة النصرة». يتنزّهون أمام عدسة الكاميرا اللبنانيّة. نراهم كما لم نرهم سابقاً. يحاولون التأكيد لنا أنّهم رجال عاديون كالذين نراهم يومياً. هم ليسوا إرهابيين.
كيف نقول عنهم إرهابيين؟ هل ترون الفرق بين «فرع القاعدة» في «بلاد الشام» و «داعش»؟ إنّهم يريدون تسليم جنودنا المخطوفين بعد أن كانوا «ضيوفاً» لديهم ولم يعرف «الشيخ أبو مالك» كيف يوجّب ضيوفه على مدى سنة و4 أشهر؟! هم لا يريدون دماً، يريدون صفقة كان أهداف غالبيّتها لتلبية الاحتياجات الإنسانية للاجئين السوريين.
فلننس الشهيدين محمّد حمية وعلي البزال. لننسَ أيضاً «غزوة عرسال» أو أنّهم شنّوا معارك طاحنة على مراكز الجيش وقوى الأمن الداخلي في عرسال وقتلوا ضباطه وعناصره وخطفوا جنوده.
هل يجب أن نبقى نعيش على ذكرى الشهيدين نور الدين الجمل وداني حرب؟ لماذا يجب علينا أن نعلّق حقدنا على من احتلّ جزءاً من أرضنا وصادر قرار عرسال ومنع أهلها من متابعة أعمالهم في الجرود؟ ولننسَ أيضاً أنّهم يقفون على جزء من «الـ10452 كم مربّع» مسلحين ويلوّحون بالراية السوداء.
فلننسَ كلّ ذلك. «النصرة» تريد منّا ذلك. تريد منّا أن نصدّق أنّهم أشخاص مسالمون وديمقراطيون، حتّى أنّهم يخيّرون الموقوفين والموقوفات إن كانوا يريدون التوجّه إلى الجرود أو البقاء تحت سلطة السلطات اللبنانيّة، وبعضم يصرّ أنّ يترجّل أولاد سجى الدليمي من سيارة الصليب الأحمر فقط من أجل أن يحملوا الأطفال وتحديداً ابنة أبو بكر البغدادي ويلتقطون الصور معهم.. ما هذا الحنان؟!
.. الأمس لم يكن إلا تطبيعاً لمن يريد أن يسوّق لصورته وصورة «دويلته» على باب التسويات السياسيّة.
رأينا «النصرة» على التلفاز بعدما كنّا نراها في بلاد بعيدة عنّا.. ماذا بعد؟
(السفير)