الحريري يدخل «حقل الالغام» وحيداً ..؟ ابراهيم ناصرالدين
أين تكمن «القطبة المخفية» في الترشيح غير الرسمي من قبل رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؟ سؤال سيبقى متقدما على ما عداه في الحياة السياسة اللبنانية، سواء تمت ترجمة هذا الترشيح على ارض الواقع، او تبين لاحقا ان الامر مجرد مناورة «لحرق» آخر المرشحين المسيحيين الاقوياء «لتعبيد» الطريق امام المرشح الوسطي؟
والى ان تنجلي الصورة الضبابية حول الخلفيات ومآلات الترشيح واسبابه، الثابت حتى الان ان الرئيس الحريري ارتكب «فولا» تكتيكيا من خلال التسويق الخاطىء للفكرة، ما يطرح في رأي اوساط سياسية مطلعة اكثر من علامة استفهام حول تأمين «الغطاء» الاقليمي اللازم لتسييل الطرح. ومع افتراض وجود موافقة او مباركة سعودية حول الترشيح، يبقى السؤال المركزي عن اسباب عدم «استدعاء» الرياض لشركاء الحريري في 14آذارلابلاغهم مسبقا بقرار المملكة، وهي خطوة كانت لتخفف الكثير عن كاهله، وتمنع «هبوب» «العواصف» السياسية في وجهه، «فمكرمات» الرياض كفيلة بصد اي محاولات للتمرد الداخلي، فلماذا لم تحصل هذه الخطوة وتركت مهمة «تفكيك» «الالغام» لرئيس «التيار الازرق»؟ فهل هناك من يريد توريطه «لاحراجه ثم اخراجه»؟
وفي هذا السياق ثمة من يتسائل جديا حول تعمد الحريري عدم التشاور مع قيادات رئيسية في تياره السياسي ومع قيادتي القوات اللبنانية وحزب الكتائب في موضوع على هذا القدر من الاهمية، فما عبر عنه وزير العدل اشرف ريفي من «سخط» علني، قال كلاما اقسى منه الرئيس فؤاد السنيورة في «السر»، لكنه كان اذكى من ان يفتح مواجهة علنية مع الحريري. وفي السياق نفسه رفع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع من سقف كلامه بين مجموعة ضيقة من القواتيين، مؤكدا انه لن يسمح لاي كان ان يطعنه ويطعن تاريخ 14 آذار النضالي في «الظهر» لتسوية مبهمة تفضي الى ايصال رئيس للجمهورية يشكل عنوانا لانتصار المحور الاخر، وهزيمة غير مبررة لفريقه السياسي.
وتلفت تلك الاوساط الى ان ما اغضب «الحكيم» محاولات الحريري لاستمالة حزب الكتائب ورئيسه النائب سامي الجميل مقابل مغريات في الحكومة ومجلس النواب، وجاءت زيارة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري المقرب من الحريري الى بكفيا في هذا الاطار، كما دخل النائب وليد جنبلاط على «الخط» وارسل وزير الصحة وائل أبو فاعور للقاء الجميل، لكن الموفدين لمسا تعقيدات في موقف الكتائب لجهة توفير التغطية السياسية المسيحية لانتخاب فرنجية على الرغم من العلاقة الودية بين سامي ورئيس تيار المردة، لكن رئيس الكتائب طالب الموفدين بتوضيحات وضمانات من فرنجية حول موقفه من حياد لبنان عن الصراعات في المنطقة، ولا سيما في سوريا وعن موقفه بعد انتخابه رئيسا من سلاح حزب الله وقتاله في سوريا. هذه الاجواء دفعت جنبلاط الذي كان يستعد لسحب ترشيح النائب هنري حلو واعلان تاييده لترشيح فرنجية الى «التريث» وابلغ اعضاء اللقاء الديموقراطي ضرورة عدم التسرع لان الصورة لا تزال ضبابية والتعقيدات قد تؤدي الى «تجميد» التسوية اذا لم يطرأ تحول نوعي يعيد «المياه الى مجاريها».
هذه المناكفات دفعت تلك الاوساط الى التساؤل حول اسباب «التفخيخ» المقصود للمبادرة، فهل هي مجرد «تخبيصة» جديدة للحريري تقدم دليلا جديدا على «قصوره» في ادارة الملفات السياسية؟ ام هي تعبير عن وجود انقسامات جدية داخل السعودية حيال الموقف من الحريري ومستقبله السياسي انعكست «تخبطا» على الساحة اللبنانية؟ ام هي محاولة لاعادة تعويم الحريري بطريقة «فجة» بعد تراجع قدرته على امساك خيوط «اللعبة داخل تياره وضمن مجموعة 14 آذار؟ من اجل ذلك ضرب الامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري، بعرض الحائط كل شعارات الديموقراطية وتبنى خطابا «شموليا» من طرابلس، وذكر علنا كل من تسول لهم انفسهم بتجاوز «العائلة الحاكمة»، ان سعد هو الآمر الناهي في «المعسكر الازرق»، وهنا يبدو واضحا ان «زعيم» المستقبل يحتاج الى دفعة معنوية بين جمهوره لضحض كل ما تم الترويج له طوال الفترة الماضية عن توجه سعودي لاخراجه من الحياة السياسية اللبنانية بعد ان ادى غيابه المستمر عن الساحة الى فتح باب التنافس في داخل بيته السياسي بسبب كثرة الطامحين الى الوراثة السياسية.
كما تدخل في قائمة الاحتمالات رغبة الحريري في «تعبيد» الطريق للعودة الى الحكومة والتحكم مجددا بالمجلس النيابي عبر اعادة الاعتبار الى قانون الستين، والعودة الى الامساك بـ «العصب» الاقتصادي في البلاد لاعادة انعاش وضعه المالي، وثمة من في محيطه نقل عنه كلاما يفيد «انه بعد نحو خمس سنوات من الرهانات الاقليمية لم يعد مجديا انتظار سقوط الاسد، فخروجه من السلطة محتم وسيحصل اجلا او عاجلا، عندئذ لن يكون مهما «الميل السياسي» الاقليمي لفرنجية فتحقيق الانتصار في سوريا سيكون كافيا للجم «نادي» محور المقاومة في لبنان، والاسراع في التسوية الان يؤمن له العودة الى رئاسة الحكومة»، فلما انتظار احداث قد تحمل مفاجآت لن تكون في مصلحتنا»؟
وبانتظار الحصول على اجوبة واضحة حول حقيقة ما يدور في «الكواليس»، ثمة حقيقة ثابتة تفيد ان «خصوم» الحريري نجحوا حتى الان في امتصاص الموقف واستيعابه، فمع افتراض انه يناور من اجل الوصول الى خلاصة مفادها انه وافق على انتخاب رئيس من فريق 8 آذار لكن هذا الفريق لم يتجاوب مع مبادرته وأضاع فرصة التسوية، فان هذا «الكمين» لم يجد طريقه الى النجاح، فمكونات فريق 8 آذار، بمن فيها الوزير سليمان فرنجية، لم يتعاملوا مع الاقتراح بما يوحي الرفض او القبول، واختاروا استراتيجية «التريث» بانتظار الحصول على موقف واضح وصريح يصدر عبر ترشيح رسمي من قبل رئيس «التيار الازرق»، ليبنى على الشيء مقتضاه، وفي الخلاصة أضاع الهدوء اللافت على «جبهة» الرابية» الفرصة امام من كان يريد «الاصطياد بالماء العكر»، بعد ان نجحت الاتصالات الهادئة بين حزب الله والتيار الوطني الحر في «امتصاص» صدمة الاقتراح وحالت دون «خلط الاوراق»، وهذا الامر يتطلب في المرحلة المقبلة الكثير من الحكمة والدقة في التعامل مع الموقف، لان اهمية الحفاظ على تماسك التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله تعتبر من الثوابت غير القابلة للنقاش، ولكنها ايضا لا تقل اهمية عن وصول فرنجية الى قصر بعبدا، فاذا كان العرض جديا لن يرفض احد مناقشته، حتى الرابية لم توح حتى الان بعكس ذلك، لكن ثمة غموض يحتاج الى المزيد من التوضيحات. فيما بدأت «الالغام» تنفجر الواحدة تلو الاخرى تحت «اقدام» الحريري ضمن «البيت الازرق» وكذلك في «حقل» حلفائه المسيحيين.
هذه «الالغام» تشكل مصدر قلق لدى اكثر من جهة معنية بهذا الملف، وثمة متابعة حثيثة لمعرفة دوائر القرار الاقليمية التي عملت على بلورة هذه التسوية، فهناك فرق كبير بين ان تكون وراءه دوائر سياسية او استخباراتية، وفي حال ثبت مسؤولية الطرف الاخير عن الموضوع، ثمة حاجة الى المزيد من الحذر في الفترة المقبلة، لان «الاغتيال» السياسي لفرنجية قد يكون قابلاً «للهضم» لتمرير مرشح آخر، اما «اللعب» بالملف الامني لتحقيق هذا الهدف عبر الاستهداف «الجسدي» فهو سيكون فتيلا لاشعال البلد، ولذلك ثمة حاجة لزيادة طوق الحماية حول المرشح المفترض لحمايته من اي «دعسة ناقصة» قد تقوم بها جهات خارجية متضررة من الاستقرار اللبناني «الهش» الذي سمح لحزب الله بالتفرغ للحرب الدائرة في سوريا…..
(الديار)