مقالات مختارة

الاستعصاء التركي عامر نعيم الياس

 

لن يحضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قمة الاتحاد الأوروبي وتركيا في بروكسل وسيمثله فيها رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو. فيما يستمر التهديد التركي المبطّن ومحاولات الاعتذار من روسيا بعد فوات الأوان، ليضيف إلى التعنّت التركي بعداً آخر، يمكن تسميته بالاستعصاء الذي يواجه أوروبا القديمة وروسيا على حدّ سواء. فمن جِهة الاتحاد الأوروبي ودوله الكبرى يمكن القول إن الحالة التركية باتت مشكلة مزمنة للاتحاد الذي لم يعد يعرف مع من يتعامل في تركيا وماذا يريد الرئيس الإخواني الذي انقلب على أبسط مبادئ «الديمقراطية» الأوروبية منذ بدايات الخراب العربي عام 2010. فعدم حضور الرئيس التركي مؤتمر الاتحاد الأوروبي وتركيا يعني تجميد خطة التحرك الأوروبية مع أنقرة لمواجهة أزمة اللاجئين الذين أغرقت بهم تركيا أوروبا، وتحوّلوا إلى كابوس بعد هجمات باريس، يهدّد بضرب الهوية الوطنية الأوروبية ويضع الكيان الأوروبي في مواجهة غير محسوبة مع التيارات الشعبوية تحت ستارة اليمين واليسار التي بدأت بالسيطرة على المشهد الداخلي في غالبية دول الاتحاد، وإن لم تصل إلى السيطرة على المستوى السياسي الحكومي بعد. تلك الخطة التي تهدف إلى إبقاء أكثر من مليوني لاجئ على الأراضي التركية مقابل حزمة من المساعدات المالية وتخفيف القيود على حركة تنقل الأتراك إلى أوروبا، ما يعني بأي حال من الأحوال استبدال المهاجرين واللاجئين السوريين والعراقيين واللبنانيين بآخرين أتراك يعملون على تغيير الواقع الديمغرافي لمصلحة الحلم العثماني الذي يسيطر على فكر القادة الأتراك. هنا لا يمكن التغاضي عن اللهجة الساخرة التي يقارب بها سلطان الوهم التركي ردّ الفعل الأوروبي على مسألة اللاجئين، إذ يقول أردوغان «ذعروا من 300 ألف لاجئ بينما ترحّب تركيا بمليوني لاجئ»، هو يريد استكمال عملية الابتزاز عبر تعليق فزاعة اللاجئين موقتاً مقابل إعادة تعويم ملف المنطقة الآمنة في سورية، وفتح باب التفاوض حول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، هذه العضوية التي تبدو أبعد من أي وقتٍ مضى عن الأتراك.

أما بالنسبة إلى موسكو، فإن الرئيس التركي الذي يحاول الاعتذار من موقع القوة، يريد التعامل بالسخرية ذاتها مع الكرملين الذي يبدو متجهاً نحو تصعيد تفرضه حقوق الأمة الروسية قبل الحديث عن الرد كردٍّ سياسي أو اقتصادي يفرضه التصرّف التركي الأرعن تجاه الاتفاقات بين موسكو وأنقرة في ما يخص التنسيق بين الجيشين الروسي والتركي في السماء السورية والتركية. وفي هذا السياق، لا تبدو الردود التركية على العقوبات الاقتصادية التي وقّع عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ يومين، سوى محاولة لذر الرماد في العيون والتهديد غير المباشر بتدفيع موسكو ثمن العقوبات على أنقرة كون الأخيرة قادرة على الرد بالمثل ولها مساهمتها التي لا تعوّض في الاقتصاد الروسي، خصوصاً في ضوء العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا نتيجة الأزمة الأوكرانية.

لا تتوقف الأمور بين موسكو وأنقرة عند هذا الحد فمعارك كسر العظم في سورية مستمرة ولا يبدو التركي ومن ورائه الخليجي في وارد التراجع قيد أنملة عن مقارعة التدخل الروسي المؤلم في سورية، والمعارك التي تجري في ريفي حلب واللاذقية الشماليين خير دليل على ذلك. فضلاً عن الإفشال التركي المتعمّد محاولات التقارب التي قادتها فرنسا بين موسكو والغرب في شأن تشكيل تحالف دولي واسع لمحاربة الإرهاب في سورية.

هو الاستعصاء التركي الذي يربك أوروبا ويضع روسيا في مواجهة أحمق في أنقرة لا يتوانى عن القيام بأي شيء للاستمرار في إحراق سورية، فالحالة التركية لا تشبه أحداً فأنت لا تعلم مع من تتعامل هل أنت في مواجهة دولة أم سلطة؟، هل تركيا بلد أوروبي أم آسيوي؟، هل هي دكتاتورية أم ديمقراطية؟، هل هي دولة إسلامية أم قومية أم علمانية؟

أسئلة تبقى من دون المطالبة من جانب المجتمع الدولي بإجابة واضحة، وهو ما يدفع الرئيس التركي أكثر فأكثر إلى التصعيد في مواجهة الجميع من دون استثناء، هي ورطة بالتأكيد لكنها تشمل كل من هو مضطر للتعامل مع تركيا في منطقة هي الأكثر سخونةً في المشهد الدولي حالياُ.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى