تركيا بين الأكراد و«داعش» محمد نور الدين
أعاد التدخل العسكري الروسي في سوريا خلط الأوراق في الشرق الأوسط وفي سوريا تحديداً. ومن ثم جاءت هجمات باريس لتعيد تموضع العديد من القوى الغربية في الصراع الإقليمي والدولي وفي العلاقات بين الغرب والمجتمعات الإسلامية. وبين هذا وذاك كان إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء وتفجيرات برج البراجنة في بيروت.
وقبل أيام كان مؤتمر قمة الدول المصدرة للغاز في العالم والذي انعقد في طهران وتصدرته بلا شك صورة لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.
نظام جديد يتشكل ورأس حربة هاجسه المشترك هو التنظيم المعروف باسم تنظيم «داعش». حيث أصبح الموقف من هذا التنظيم المتطرف بوصلة التوجهات والسياسات والاستقطابات والمؤشرات على ملامح المرحلة المقبلة.
لقد برزت مؤخراً محاولات للتنصل من دعم هذا التنظيم من جانب بعض القوى التي كانت تسهل بشكل أو بآخر مباشرة أو غير مباشرة عمله وحركة تنقلاته في المنطقة وفي العالم.
في قمة العشرين التي انعقدت في أنطاليا في تركيا قال الرئيس بوتين إن هناك أكثر من أربعين دولة في العالم تدعم الإرهاب من بينها دول أعضاء في قمة العشرين.
خلال هجمات الجيش السوري مدعوماً من قبل طائرات السوخوي الروسية على المجموعات المعارضة المتمركزة في جبال بايربوجاق حيث غالبية تركمانية على مقربة من الحدود مع تركيا، برز موقف مثير من جانب رئيس الحكومة التركي أحمد داود أوغلو يقول فيه إن الهجمات التي يتعرض لها التركمان في سوريا هي نتيجة طبيعية للحملة التي شنتها جماعة فتح الله غولين على شاحنات النقل الخارجي قبل سنتين والتي كشفت عن شاحنات تديرها الاستخبارات التركية تحمل أسلحة وصواريخ وقذائف كانت تقول أنقرة إنها كانت تحمل مساعدات إنسانية موجهة إلى التركمان في سوريا. ولكن التحقيقات التي جرت بيّنت أن التركمان لم يتلقوا أي مساعدات لا إنسانية ولا غير إنسانية.
وموقف داود أوغلو الجديد كان يريد أن يوظف التراجع الذي يتعرض له تركمان سوريا، في شأن داخلي تركي لاستكمال الهجمة على جماعة فتح الله غولين من جهة، ومن أجل إبعاد الشبهات الموثقة بشأن دعم تركيا ل «داعش» حينها وحتى الآن، من جهة أخرى، وهو ما تنبه له مباشرة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في تركيا والذي تعرض زعيمه صلاح الدين ديميرطاش لمحاولة اغتيال بإطلاق رصاصة على سيارته من الخلف. والمفارقة أن محافظ ديار بكر قال إن الأثر الموجود على زجاج السيارة ليس أثر رصاصة. وقد اتهم ديميرطاش المحافظ بأنه يحاول تغطية المحاولة.
العنوان نفسه ينسحب على علاقة تركيا ب «داعش» حيث قال ديميرطاش إن الحكومة التركية تحاول أن تتنصل من دعمها ل «داعش» بالقول إن الشاحنات التي كانت أوقفت قبل سنتين كانت تحمل مساعدات إلى التركمان فيما كانت تحمل، وفق ديميرطاش، أسلحة إلى «داعش»، معطوفاً عليها عشرات التقارير القضائية التي تؤكد ذلك والتي كانت سبباً في حملة تطهير القضاء من كل المعارضين لأردوغان وتحويله إلى فرع قضائي لحزب العدالة والتنمية.
في قمة العشرين تحدث أردوغان عن ضرورة تعزيز الحرب على الإرهاب وتصوير بلاده على أنها مستهدفة من الإرهاب. ومع أن أردوغان يشير إلى «داعش» على أنه تهديد إرهابي لتركيا لكنه يريد من ذلك أن يحوّل الأنظار إلى هدفه الأساسي وهو الحرب ضد الأكراد في تركيا وفي سوريا وتصويرهم على أنهم المهدد الأول لتركيا. حتى في الداخل التركي فإن تمرير «داعش» على أنه مهدد لتركيا لا ينطبق مع الواقع حيث إن «داعش» الذي ضرب في شرم الشيخ وفي باريس وفي بيروت لم يختر في تركيا أن يضرب سوى الأهداف الكردية لا التركية كما حدث في تفجيري سوروتش في 20 يوليو/ تموز أو في أنقرة في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضيين واللذين كانا في صلب خطة حزب العدالة والتنمية لترهيب الأكراد وكسب الأصوات القومية للفوز في الانتخابات النيابية وهو ما حصل.
لم تتغير سياسات حزب العدالة والتنمية: الأكراد هم العدو، فيما الآخرون أصدقاء بل حتى شركاء!
(الخليج)