التسوية الرئاسية لم تطرق بعد باب حزب الله وطهران ابراهيم ناصرالدين
الايحاءات بوجود انفراج في ملف الانتخابات الرئاسية لا تزال ضمن اطار «اللعبة» المحلية لاطراف لا يملكون بين ايديهم «مفاتيح» الحل والربط، كما انها لم تلامس بعد حدود التفاهمات الاقليمية الحاسمة لاقرار اي تسوية مفترضة، فعملية «جس النبض» الحريرية لا يزال يكتنفها الغموض لجهة توقيتها ومضمونها، وما هو ثابت حتى الان ان الاطراف الرئيسية المعنية بالملف الرئاسي في الداخل والخارج لم يطرح عليها اي صيغة جدية حول هذا الملف.
اوساط معنية بهذا الملف ترى ان تحرك النائب سليمان فرنجية تجاه رئيس تيار المستقبل يشبه جلوس حزب الله مع «التيار الازرق» في «ماراتون» حوار الضرورة المستمر منذ عدة اسابيع، وصلت لرئيس تيار المردة مؤشرات» مجهولة المصدر» تفيد بان اسمه غير مدرج على لائحة «الفيتو» السعودية، شجعته قيادات وسطية وفي 8 آذارعلى الجلوس مع الحريري الذي ارسل اشارات ايجابية تجاه فرنجية، طبعا حزب الله لم يضع عراقيل امام اي تواصل على هذا المستوى في ظل حواره المستمر مع تيار المستقبل، لم يمانع حصول اللقاء، لكن دون اوهام كبيرة، كما سبق ولم يمانع في فتح قنوات الحوار بين الحريري والجنرال عون، اتخذ الموقف نفسه من الانفتاح المستجد بين «المردة» و«المستقبل». لكن الثابت الذي يعرفه «جنرال» الرابية ان احدا لم «يقرع باب» حزب الله حتى الان حاملا صيغة لتسوية شاملة ومن ضمنها قبول 14آذار بفرنجية رئيسا للجمهورية، ويبقى موقف الحزب على حاله لجهة تبني ترشيح عون للرئاسة، ولم تحصل اي تطورات تقتضي التعديل او فتح باب النقاش حول هذا الامر…
وفي السياق نفسه لا يبدو ان ثمة موقفاً اقليمياً مستجداً يمكن التعويل عليه لبناء مؤشرات تفضي للحديث عن نضوج تسوية سعودية- ايرانية ستحمل الانفراج على الساحة اللبنانية، واذا كان «التعجب» هو الصفة الاكثر ترجيحا ازاء حقيقة الموقف السعودي من احتمال القبول بترشيح فرنجية للرئاسة، فان المعلومات تفيد بان طهران ليست في اجواء ما يحكى عن هذه التسوية، والدبلوماسية الايرانية في بيروت لم تكن اصلا مطلعة على وجود نقاش جدي في باريس حول تسوية رئاسية، والسفير الايراني يحاول منذ تناول الاعلام هذه الرواية تلمس الاجواء المحلية لمعرفة خلفيات ما يحصل، دون ان تكون لديه اجابات واضحة يقدمها للخارجية الايرانية، فكل ما يحصل مجرد كلام، ولم يطرق احد «ابواب» السفارة الايرانية» لوضعها في اجواء هذه المستجدات. ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني بوضوح ان لا «مظلة» ايرانية – سعودية لكل هذا الحراك الذي لا يمكن ان يتحول الى حقائق ملموسة، الا اذا حصل هذا الاتصال الايراني – السعودي المقطوع. واذا كان ثمة من يعتقد ان سنتين من الفراغ الرئاسي مشكلة داخلية يمكن حلها بتبدل مزاج الرئيس الحريري!
وبرأي تلك الاوساط، فان غياب الاجابات الحاسمة حول جدية ما يجري، يدفع الى الاكثار من الاسئلة التي تكون اكثر فائدة في هذه المرحلة، فعلى مستوى قوى 14آذار وتيار المستقبل ما الذي تغير حتى يكون ترشيح فرنجية مقبولا، وترشيح الجنرال عون غير مقبول؟ ما الذي يمكن لرئيس المردة ان يقدمه ولا يقبل عون تقديمه؟ واذا كانت الحجة القائمة لعدم القبول بـ«الجنرال» رئيسا، هو انتمائه الى المحور السوري – الايراني والتصاقه بخيارات حزب الله الاستراتيجية، فان فرنجية هو احد اضلاع هذا المحور ويتقدم على عون بخطوات في «تطرفه»؟ اما اذا كانت ثمة مناورة حريرية جديدة «للعب» في الوقت الضائع فهل تنقص فرنجية الفطنة لادراك هذا الامر، علما انه سبق وحذر «الجنرال» من مصيدة «زرقاء» تنصب له في باريس عندما اوهمه رئيس تيار المستقبل بان حظوظه الرئاسية مرتفعة؟
وبعض الاسئلة تتعلق بدور بعض القوى البارزة في 8آذار ولعبها دور «الوسيط» في هذا الحراك، خصوصا انها عبرت في مجالس خاصة عن «سخطها» من توقيت طرح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مبادرة التسوية الشاملة وفق سلة متكاملة، في وقت كانت تهيىء فيه الاجواء للتقارب بين فرنجية والحريري، معتبرة ان «المبادرة» قد «تفسد الطبخة»؟ فماذا يعني هذا الكلام؟ وهل ثمة من يريد «احراق ورقة» فرنجية لتمرير اسم آخر؟ وهل يعتقد الحريري انه قادر على «زعزعة» فريق 8آذار اذا ما تبنى ترشيح فرنجية؟ ومن قال له ان حزب الله يمكن ان ينساق وراء هكذا مشروع اذا لم يكن عون راضيا عنه؟ وهل يظن ان لدى الحزب النية للمفاضلة بين الرجلين؟ الا يدرك ان حسم الملف الرئاسي يبقى في الرابية؟ ومن قال له ايضا ان «الجنرال» بفكره الاستراتيجي لن يبارك تفاهما مماثلا يشكل انتصارا لخياراته الاقليمية والداخلية؟
والاهم من كل ذلك كيف سيسوّق الحريري خياره بين حلفائه المسيحيين ؟ ووفق اي رؤية واستراتيجية؟ بعض شخصيات قوى 14 آذار «المذهولة» قالت في مجالسها، «انه اذا كان عون «الكحل» فان فرنجية هو «العمى» بذاته فكيف يمكن تسويقه؟ وتحت اي مسمى؟ واذا كنا نطالب بازاحة الرئيس السوري بشار الاسد عن الحكم في سوريا طوال خمس سنوات، فهل من المنطقي ان نأتي «بنسخته «اللبنانية رئيسا»؟ هذا الكلام سمعه رئيس المستقبل لكن دون تقديم اجابات واضحة. لكن الاكثر اثارة يتعلق بالسؤال حول تكريس مبدأ المقايضة بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، وهذا ما اعترض عليه بعض حلفاء الحريري، ووفقا لاستنتاجاتهم سواء كانت التسوية المطروحة جدية او مجرد اختبار نوايا ، فان مجرد الحديث عن مقايضة عودته لرئاسة الحكومة بانتخاب رئيس من 8 آذار، تعتبر «هدية» مجانية للطرف الاخر الذي سيصر لاحقا على العمل وفق هذه المعادلة.
وفي البعد الاقليمي لهذا الملف، ترى تلك الاوساط ان ربط البعض بين توقيت طرح هذه التسوية مع وضع خريطة الطريق السورية في فيينا، والحديث عن مقايضة تأتي بالرئيس الاسبق للائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب رئيسا للحكومة السورية، مقابل فرنجية رئيسا في لبنان، يؤشر الى «فرملة» متوقعة لهذه الاندفاعة، فهذا الطرح المشكوك في صحته، تعرض لنكسة كبيرة بعد المواجهة التركية – الروسية في الاجواء السورية، فالامور عادت الى نقطة الصفر، وما حكي عن اطلاق حراك للدبلوماسية الدولية حول سوريا تراجع وباتت احتمالات احراز تقدم سياسي ضعيفة للغاية. الروس يبحثون عن «الانتقام» لكرامتهم، شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا تسمح له بعدم الرد، من الواضح ان الميدان السوري سيكون «الملعب» المفضل لديه لتسجل الاهداف، التشدد سيكون سمة المرحلة المقبلة، سيترجم ذلك بتصعيد غير مسبوق لضرب كل المجموعات المسلحة المرتبطة بدول الاقليم الداعمة للمسلحين. لن تنتظر موسكو اللائحة الاردنية لتصنيف تلك المجموعات، تغيرت طبيعة المواجهة وزادت حدتها، لم يعد الكرملين يقبل بمجرد الحديث عن مصير الاسد والمرحلة الانتقالية، اصبح الامر بمثابة التحدي الشخصي لبوتين، ثمة الكثير من الفعل في الميدان قبل العودة الى الحديث الجاد في السياسة. هذا ما سيزيد الامور تعقيدا، ويعيد الامور الى السؤال المركزي حول الانعكاسات المحتملة على الساحة اللبنانية. فهل تسمح هذه الاجواء بتسويات جانبية بين اطراف الصراع تفضي الى قبول الرياض بانتخاب رئيس لا يحتاج الى تقديم برنامج رئاسي لتأكيد انه رأس حربة في محور المقاومة وصديق شخصي للرئيس الاسد؟ الامر يحتاج الى الكثير من التأمل والامل بحصول «معجزة».
(الديار)