منارة لبنانية ضد التوحش
فاطمة طفيلي
تتصاعد أحداث المنطقة والعالم العربي مع اتساع خطر الارهاب التكفيري ودخول تهديداته الشاملة مرحلة التنفيذ من بيروت الى باريس الى بقية العواصم العربية والغربية ويستنفر قادة العالم في ما يشبه الصحوة المتأخرة أمام هول المشهد الباريسي، وهم الذين حاولوا إيهامنا على مدى سنوات الازمة بأن ما نشهده من توحش ومشاهد قتل وتدمير وحرائق تمتد على مساحة الوطن العربي هي ثورات ستحملنا الى عوالم الاحلام الموعودة، لتتبدى الصورة قاتمة وليتضح ان ربيعهم خريف قاتم وكوابيس ستقض مضاجعهم فيتحركون، والى ان يكون القرار فعليا بمجابهة شر كانت لهم الايدي الطولى بغرس بذوره الى ان حان أوان الحصاد.
لبنان الذي هو في قلب الصورة وعلى أرضه الكثير من ترددات ما يجري، مضافا إليها الكثير من الازمات الداخلية التي تنتظر الحلول والولوج به الى بر الامان بعيدا عن مرجل غليانه لا يتوقف، ومع ذلك تجده حاضرا فاعلا لا يتعب من المحاولة رغم قساوة الظروف.
يتفاءل المتابع لما يجري من أنشطة فنية وثقافية واجتماعية ببقية أمل يسعى المنظمون والعاملون والمشاركون فيها الى قلب الصورة وإعادة الوجه المشرق من كتاب الحياة الزاخر بالصمود والقدرة على الاستمرار والتمسك بالامل رغم كل هذا الكم من المشاكل والازمات.
معرض بيروت الدولي للكتاب واحدة من صفحات الأمل التي لم تنطفيء، نحتفل مساء يوم الجمعة الواقع فيه الثامن والعشرون من تشرين الثاني من العام 2015 بإضاءة شمعتها الثامنة والخمسين، تظاهرة ثقافية وموسما للتلاقي ينتظره لبنان والعالم العربي ويتردد صداه في العالم أجمع من خلال ما يزخر به من عناوين وإصدارات ودور نشر تتزايد يوما بعد يوم وتتسابق لتحجز لها أمكنة ثابتة في هذا المهرجان السنوي الذي غدا مقصدا للزوار من كل المستويات الثقافية والاجتماعية، ولكل نصيب تحدده الحاجة والقدرة والرغبة في اقتناء كتاب ما يزال الصديق الأوفى في زمن العزوف وتكنولوجيا العصر المنافسة.
صحيح أن كثرا من زوار المعرض يكتفون بالمشاهدة والتصفّح إلا أن مجرد المبادرة الى زيارته والتجول في أرجائه يدفع الى تفاؤل يضاعفه ما تحفل به أروقة المعرض من محاضرات وندوات وأمسيات وحلقات نقاش للعديد من العناوين التي تتناول مختلف جوانب الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بما يعزز التلاقي الثقافي والفكري ويطلق حوارات وأنشطة لا تحدها أيام المعرض المعدودة، ناهيك عما يجري من تواقيع وأنشطة فنية وتكريم لرواد ومبدعين.
يسجل للنادي الثقافي العربي ولنقابة اتحاد الناشرين في لبنان هذا الصبر والاصرار على المضي قدما في تحدي إقامة المعرض والنجاح بذلك رغم كل الظروف الصعبة القائمة، واعتباره عيدا للكتاب واحتفالا به، كظاهرة ثقافية عامة تكريما للكتاب، وعبر الكتاب للثقافة في لبنان، كما اكد رئيس النادي الثقافي العربي الاستاذ سميح البابا في المؤتمر الصحافي المخصص للإعلان عن افتتاح الدورة الثامنة والخمسين من المعرض برعاية رئيس مجلس الوزراء تمام سلام.
167 دار نشر لبنانية و56 دارا عربية تشارك في المعرض هذا العام إضافة الى مؤسسات الأبحاث والجامعات اللبنانية والعربية، ما يجعل من لبنان بحق مركزا للكتاب تجيد تقديمه وبجودة عالية شكلا ومضمونا، ومن بيروت عاصمة ثقافية مشرعة الأبواب على الثقافة والمعرفة، وموطنا للمبدعين يتنافسون على الخلق والانتصار للأفكار الراقية التي تعيد بناء ما هدمه برابرة العصر، وتزيح ما اعترى الحضارة العربية من زيف وزغل بفعل مظاهر الردة والأفكار المشوهة ولو بعد حين.
هي إرادة الحياة تطلع من وسط الدمار وتنتصر فتضيء شعلة للأمل تتوهج على مدى السنوات فتنسف عتمة الجهل وتتفوق على كل ثقافات الإفساد والتشويه.
مرة جديدة ينتصر لبنان على ظروفه الصعبة بتنمية روابط التواصل مع عمقه العربي وتعزيزها سواء بلغته الأم أو عبر مختلف لغات العالم، ليثبت في كل مرة ان القراءة حاجة دائمة، وأن الكلمة هي الأساس في التفاعل الإنساني الحضاري، وانه سيبقى موطن الكتاب والكتّاب والمبدعين، وحضنا للقاريء العربي ينهل منه الثقافة والمعرفة.