مقالات مختارة

هجمات «داعشية» مرجّحة بفضل «سي آي إيه» أوروبا! وسيم ابراهيم

 

العمليات الأمنية متواصلة، أبواق سيارات الشرطة صارت الصخب المألوف وسط بروكسل، تحديداً حول سكان حي مولنبيك الموصوم عالمياً بكونه معقل تنظيم هجمات باريس.

الضجيج السياسي لا يقلّ صخباً. وزراء الداخلية والعدل الأوروبيون قادمون لاجتماع طارئ، ليبحثوا إغلاق الفجوات الأمنية. ضجيج الحالة الإسعافية لم يمكنه إخفاء أن الاتحاد الأوروبي على المحكّ، مجدداً بفضل أزمات لا تترك مجالاً للمناورة. تختلط الأصوات، تتقارب وتتنافر تحت سقف الديموقراطية، لكن المحكّ يوصل إلى الأسئلة البديهية: هل يتمكن الاتحاد في الجغرافيا، من إزالة الحدود بين الدول، من دون إنشاء اتحاد أمني يحمي هذا المشاع المشترك؟

الفجوات الأمنية باتت شبه محصورة، لتبقى إمكانية سدّها معلّقة بيد قرارات سيادية عليا. ثمن التأجيل سيكون مكلفاً جداً. البديهيات تقول أيضاً ذلك. حملها هذه المرة روبرت وينرايت، رئيس «يوروبول» (وكالة الشرطة الأوروبية). خلال إطلاعه لجنة في البرلمان الأوروبي على واقع التهديدات، قال لهم إن لا شيء يمكنه الطمأنة: «نحن نتعامل مع منظمة إرهاب عالمية، خطيرة جداً وممولة جيداً وعازمة، وهي الآن ناشطةٌ في شوارع أوروبا، لذلك من العقلاني القول من دون أي مبالغة إن هجمات أخرى أمر مرجح».

يعرف وينرايت أن هناك ثغرة أمنية كبيرة، وما يقترحه لإغلاقها صعب التحقيق. يعمل على رأس جهاز أوروبي مشترك، لطالما اشتكى من قلة تعاون الدول الأوروبية، خصوصاً في مجال ضخ المعلومات الاستخبارية اللازمة. الاستخبارات تبقى قراراً سيادياً وطنياً، تركته المعاهدات الأوروبية من اختصاص الدولة الوطنية. حل هذه القضية لا يزال نوعاً من المحرمات السياسية، رغم معرفة الجميع بأنها نقطة ضعف قاتلة.

حاول رئيس «يوروبول» عرض خلاصات تقتضي، منطقياً، تغيير ذلك النهج، على أساس أن التهديد «معقّد ومتنوع وينتشر عبر عدد كبير من المشتبهين في دول عديدة». حصر إطار المشكلة بالتشديد على أن «الابقاء على قدرات تشارك وتبادل فعال وشامل للمعلومات عبر الاتحاد الأوروبي هو حاسم بالتأكيد»، قبل أن يحرص على عرض مخاطر المناورة بالقول إن تشارك المعلومات «هو الذي سيخلق الفرق بين تحديد أو عدم تحديد أفعال إرهابية مخططة في الأوان المناسب». لكن مع ذلك، حينما سأله البرلمانيون الأوروبيون عن تقييمه، قال لهم إنه رغم حالة الطوارئ «أنا حذر حول إمكانية القبول السياسي لذلك».

لم يكن وينرايت الوحيد الذي شدد على أن إقامة تحالف استخباري أمر حاسم. المسؤولون البلجيكيون، المُكتوون بنار الهجمات ونار تخطيطها، أكدوا أن «القضية الأساسية» تبقى تحالف استخبارات عابرا للحدود، يضخّ المعلومات بين الدول المعنية بالتهديد.

من اختبروا القضية من موقع صانع القرار، يعودون للقول إن لا غنى عنها. خلاصة يرددها خوان لوبيز أغويلر، الذي كان وزيراً للعدل في اسبانيا بين العامين 2009 و2014. الآن هو عضو لجنة العدل والقضايا الداخلية في البرلمان الأوروبي. يقول خلال حديث مع «السفير» حول المسألة: «ليس لدينا الجاهزية والارادة السياسية لتشارك الاستخبارات التي تملكها الدول الأوروبية. نحن ببساطة نعتمد على إرادة كل دولة لتتشارك جزئياً بعض المعلومات، وليس وضع المعلومات بتصرف وحدة أوروبية»، قبل أن يشدد على أنه «نحتاج نوعاً من إف بي آي، إلى وحدة استخبارات أوروبية، بحيث أن هؤلاء المشتبهين يوضعون تحت الضوء، ويتم تشارك المعلومات حولهم على المستوى الأوروبي».

يلتقي وزراء الداخلية والعدل بعدما حكموا مسبقاً على إحباط مسعى لإغلاق هذه الفجوة. بداية العام المقبل سيتم افتتاح «المركز الأوروبي لمكافحة الارهاب». جرت محاولات عابثة لاقناع دول التكتل بأن تجعله منصة لتبادل المعلومات، على الأقل حول «الجهاديين» الأوروبيين. المركز سيكون، لذلك، عبارة عن إعادة هيكلة داخل «يوروبول»، عبر تجميع جهد الاقسام التي تعمل داخله على قضايا الارهاب. سيكون منصة مفتوحة، في انتظار اقتناع الدول الاوروبية بأن تدعمها استخبارياً. مسؤول أوروبي يعمل على القضية قال لـ «السفير» إنه «لا توجد الآن توقعات كبيرة»، موضحاً أن «الأمر لن يكون كما لو أننا نقيم جهاز استخبارات موحدا، إنه مركز لمكافحة الارهاب سيعمل ضمن قدرات يوروبول الحالية».

لذلك ستبقى الفجوة الأساسية مفتوحة، يمكن إغلاقها مؤقتاً عبر موجة التعاطف، كما حصل الآن عبر ضخ المعلومات إلى فرنسا. هذا ليس كل شيء. سيكون على الوزراء الأوروبيين التعامل مع فجوات اخرى تحيط بها الحساسيات السياسية.

القضية الأولى هي تعزيز الرقابة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، تحديداً بوابات منطقة «شنغن» للتنقل الحر التي تضم 26 دولة. المقترح الموضوع على طاولة الوزراء، كما شرحت مصادر أوروبية، هو إقامة حرس حدود أوروبي مشترك. المسألة بدورها تعود إلى المحكّ البديهي، على حساسيته، طالما أن الحدود مشتركة لم يعد ممكناً رمي مسؤولية إدارتها على دولة قدرها أنها بوابة أوروبية، خصوصاً الآن، وسط تدفقات سيل اللجوء الذي لا يمكن لقدرات دولة التعامل معه.

اتفاقية «شنغن» باتت منتهكة أصلاً، مع فرض الرقابة الحدودية داخلها خارج مهلة الشهرين التي تسمح بها. لكنها ستكون أمام اختبار آخر. إحدى الفجوات الأمنية وجود ما يقارب عشرة آلاف «جهادي» أوروبي مشتبه، وهؤلاء يمكنهم الدخول والخروج من دون التعرض للرقابة لكونهم مواطنين أوروبيين. ما تسمح به «شنغن» هو إجراءات تفتيش مؤقتة ومحددة، ويسعى وزراء الداخلية إلى تغيير الاتفاقية كي تسمح بتفتيش المواطنين الأوروبيين بشكل منهجي.

المفصل الثالث في الاجتماع الطارئ هو تشديد الرقابة على تجارة الأسلحة النارية. إنها فجوة أخرى أعادت تعريتها هجمات باريس. حتى هجمات «شارلي إيبدو» استخدمت فيها أسلحة مشتراة من بلجيكا، الملامة بكونها ملاذاً لهذه التجارة، خصوصاً القادمة عبر دول البلقان. الأنظمة الأوروبية متفاوتة هنا، لذا تسعى بروكسل لوضع توجيهات جديدة تفرض على الدول التضييق على سوق السلاح الفردي.

المشكلة أن كل هذه الاجراءات لا تكفي، ولا يمكنها أن تطرح مخاوف تكرار الهجمات. فرنسا تعلن أن هجمات كيميائية وبيولوجية باتت واردة. لكن قبل التكهّن، آذنت الهجمات الأخيرة بافتتاح فصل جديد في استهداف «داعش» لأوروبا: سلاح الهجمات بات الانتحاريين، سلاح فردي لا يمكن حظره، مع سترات ناسفة مصنعة يدوياً. أمام ذلك، سيكون على دول التكتل مواجهة المفاضلة الحرجة، بين فتح قنوات أجهزة استخباراتها، لصالح «وكالة استخبارات مركزية» أوروبية، وبين زيادة فرص نجاح المزيد من انتحاريي «منظمة إرهاب عالمية، خطيرة جداً وممولة جيداً وعازمة».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى