السباق في الميدان السوري ووقف إطلاق النار عامر نعيم الياس
«قوات سورية الديمقراطية وجيش سورية الجديدة»، تسميات مختلفة لما يمكن أن يطلق على عملية إعادة الهيكلة الشاملة للتنظيمات الميدانية اتي تعمل تحت إمرة الإدارة الأميركية. حركة «أحرار الشام» أيضاً تجري تغييرات في هيكليتها وبنيتها التنظيمية من دون أن يعني ذلك تغييراً في نهج الحركة السلفية الجهادية في مطلق الأحوال. التعدّدية هي ما تريد واشنطن أن تبرزها في تشكيلاتها السورية الجديدة اسماً، فالتحالف المسمى «قوات سورية الديمقراطية» متنوّع في تركيبته القومية الطائفية، ربما بات يحق لأميركا ان تدّعي في تحالفها الذي يقوده الأكراد أنها باتت على تواصل مع جميع أطياف الشعب السوري من الأكراد إلى السريان مروراً بعرب بعض العشائر في الشمال. هذا بالطبع ليس حال «جيش سورية الجديدة» الذي يضمّ «الإخوان المسلمين» وبعض الحلفاء من التنظيمات الإسلامية المتشدّدة المحلية، لكن يبقى هذا التحالف إسلامياً بحتاً.
الهدف المنشود أميركياً «سورية علمانية» يضرب عملياً عرض الحائط بهوية من خرّب سورية منذ سنواتٍ خمس، لكن هل ينهي صلاحيته، ويعني في النهاية الوصول إلى العلمانية في سورية؟
يدور حديث اليوم في الغوطة الشرقية عن هدنة، تسريبات إعلامية تقول إن ضباطاً روس يقودون العملية التفاوضية مع الإرهابيين المتواجدين في دوما، هنا حضر تنظيم «جيش الإسلام» الذي يقوده الإرهابيّ زهران علوش، والذي أمطر العاصمة دمشق يوم أمس، خصوصاً أحياءها الشرقية بعشرات قذائف الهاون، بالتوازي مع أنباء الهدنة التي تستمر ثلاثة أشهر، وفق التسريبات الإعلامية أيضاً. هو توازن ردع في مواجهة تنظيم مسلّح لا يزال موضع خلاف بين موسكو وواشنطن عما إن كان يجب اعتباره إرهابياً أم لا، وسط دفاع شرس من واشنطن قبل حلفائها على أدوات لا يمكن الاستغناء عنها في عملية سباق المساحات من أجل التفاوض. فـ«جيش الإسلام» قرب دمشق ويسيطر على عاصمة الريف ومدينة جوبر الأخطر والأقرب إلى مركز العاصمة السورية أكثر من أي بؤرة توتر أخرى، وهو ما جعل من المدينة مصدراً من مصادر توازن الردع الأهم في سورية قياساً بحجم سيطرة فصيل «جيش الإسلام» وعديده الذي لا يتجاوز عشرة آلاف متشدّد إرهابي.
في الشمال، تسيطر «وحدات حماية الشعب» تحت مسمى «قوات سورية الديمقراطية» على مدينة الهول في شرق الحسكة وهي الأغنى نفطياً في تلك المنطقة وفي الجمهورية السورية. فيما يتم التحضير لضرب الرقة عبر «التنسيق والتعاون» الروسي ـ الفرنسي، وعبر تقدم الجيش السوري في شمال البلاد وتحديداً في ريفَي حلب الجنوبي والشرقي، فيما لا تزال حامية الجيش السوري في مدينة الحسكة متواجدة في بعض الأحياء، وأيضاً قوة صغيرة في القامشلي متواجدة في محيط المدينة، وتسير الأمور وفق توافق ضمني مع الأكراد ساري المفعول حتى اللحظة يمنع الصدام بين الطرفين، فهل يستمر هذا الأمر؟ وهل الأولوية فعلاً فقط لدحر «داعش» وحلول القوات المرتبطة بواشنطن مكانها؟
تركز الأطراف كافة على الميدان وتراهن عليه، جملة مفتاحية لفهم الوضع في سورية، لكن أسس الحل السياسي تعكس رغبةً في تحضير المسرح لاستيعاب نتائج الميدان وترجمتها فوراً على الأرض. الأولوية اليوم لسباق الميدان الذي يفرض بدوره الحرب على «داعش»، الذي يسيطر على المساحات الأكبر في سورية، مع ترك المجال مفتوحاً أمام استمرار التنظيمات الأخرى بحجة التفاوض على أسمائها واختبار نواياها وصولاً إلى السلاح التفاوضي الأكثر خطورة والذي يسمّى وقف إطلاق النار.
(البناء)