حول قانون الانتخاب والتسوية
غالب قنديل
على الرغم من الانفراج النسبي الذي أشاعته المواقف التي اعقبت تفجيري برج البراجنة الإرهابيين يستمر الشلل اللبناني في ظل الانسداد السياسي الشامل فلا الحكومة قادرة على عقد جلسة واستئناف تسيير شؤون الدولة ومؤسساتها ولا تلوح حتى الساعة في الأفق بوادر سياسية تتيح التفاؤل بقرب التوصل إلى التسوية التي هدفت إليها مبادرة السيد حسن نصرالله بحيث تحولت المواقف والبيانات والتصريحات إلى نوع من المجاملات السياسية التي فرضتها فداحة المذبحة وطبيعة التحدي الإرهابي المستمر وقد دشن الرئيس نبيه بري في هذه الأجواء محاولة جديدة لفتح طريق التفاهم على قانون للانتخابات عبر تشكيل لجنة نيابية لفتح النقاش مرة أخرى حول هذا البند الرئيسي في التسوية المنشودة.
أولا قانون الانتخاب هو الحلقة المركزية في إعادة تشكيل السلطة السياسية ومؤسساتها ومن الواضح ان الانقسام يدور بين دعاة اعتماد النظام النسبي والمتمسكين بالنظام الأكثري الذين يخفون إرادة واضحة في صيانة احتكارهم لمواقع التمثيل الطائفي داخل التركيبة السياسية للسلطة ويراهن هؤلاء على إفراغ النسبية من محتواها من خلال فرض تسوية توزع المقاعد بين نسبي وأكثري وبصورة تبقي الغلبة والهيمنة على المجلس النيابي للقوى التي تتشكل منها الأكثرية النيابية الحالية ففي كل مقاربة لتقسيم الدوائر ونظام الانتخاب تصور افتراضي مسبق لخريطة المجلس المنتخب ولكتله وبينما يبدو اعتماد النسبية الكاملة هو الطريق لمجلس نيابي أقرب إلى تمثيل الواقع الشعبي بمختلف تياراته وقواه السياسية على الصعيد الوطني فإن أي تسوية داخل القاعات المغلقة قد تكون دون هذه الصيغة الضرورية لتصحيح البنيان السياسي والدستوري للدولة وللتعبير عن الإرادة الشعبية عملا بمنطق التنازلات المتبادلة بحثا عن التوافق الممكن.
القوى المذعورة من النسبية والتي تسعى لمنعها او لتقليصها تعبر عن نزعة متخلفة ورجعية وإلغائية ترفض تكريس الاعتراف بالتيارات التي تخالفها الرأي وتسعى لإبعاد تلك القوى التي تتبنى توجهات مغايرة في النظر إلى القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الراهنة في لبنان وقد تحوز حضورا جماهيريا يكسبها وزنا يؤهلها للتأثير في نتائج الانتخابات النيابية المقبلة.
ثانيا الطريق إلى التأثير على التوازن السياسي الذي يحكم مناقشة قانون الانتخاب هو حضور الحركة الشعبية الداعمة للنسبية بقوة تشل مناوئيها وتحد من صلفهم في رفض هذا الطريق العصري والتقدمي لتطوير الحياة السياسية ولتحريرها من التعليب ولتأكيد وجوب كسر أقفال المصادرة السياسية بالعصبيات عبر فتح ابواب الحضور والشراكة في الحياة الوطنية امام جميع التعبيرات السياسية الحية القادرة على الظفر بمساندة شعبية كافية في صناديق الاقتراع.
التحدي مطروح أمام سائر القوى والأحزاب والتيارات السياسية التي أعربت عن تبنيها للخيار النسبي داخل اللجنة النيابية ومن خارجها وسيكون المطلوب تدشين تحرك وطني واسع يمنع التمييع والتفخيخ اللذين يتربصان بقانون الانتخابات الجديد ويستدعي الأمر متابعة نقاشات اللجنة النيابية للرد بقوة على جميع الذرائع المناهضة للنسبية وتحويل المناسبة إلى فرصة لإطلاق حملة إعلامية وشعبية واسعة تدحض الذرائع التي يرددها خصوم النسبية وتقطع الطريق على التضليل والتحريض الطائفي والمذهبي الذي يهرب إليه المستفيدون من صيغة النظام الأكثري أملا في إخراس المنافسين وخنقهم ولتكريس صيغة الحكم التي تسببت بأفدح الأضرار على البلاد التي تغرقها الأزمات.
ثالثا ينبغي التذكير بأن اتفاق الطائف الذي يستحضره البعض انتقائيا في الدفاع عن خياراتهم وفي المحاججة لصد أي دعوة للإصلاح السياسي قد نص بالأصل على اعتماد نظام المجلسين وانتخاب مجلس نيابي بالنظام النسبي وخارج القيد الطائفي إلى جانب مجلس شيوخ ينتخب على القاعدة التمثيلية الطائفية وهذا البند تم تعطيله عن قصد كما عطل النص الدستوري حول تشكيل هيئة وطنية عليا لإلغاء الطائفية السياسية وهذا التعطيل المتعمد لأهم بنود الطائف في الإصلاح السياسي والدستوري هو المسؤول عن المأزق الخطير الذي دخلته الدولة اللبنانية بسلطتيها التشريعية والإجرائية .
نظام المجلسين هو الوصفة الأرقى من الوصفة المركبة للإتيان بمجلس نيابي هجين يتوزع أعضاؤه المنتخبون على النظامين الأكثري والنسبي في وقت واحد ولذلك يجب ان يوضع النقاش بين خيار اعتماد النسبية الكاملة مع استمرار التمثيل الطائفي أو الانتقال مباشرة إلى نظام المجلسين وفي كل حال وبأسوأ الاحتمالات لا بد من الإصرار على أجل زمني محدد في نص قانون الانتخاب لمباشرة العمل بنظام المجلسين ولبدء المسار الفعلي للتخلص من الطائفية السياسية بدلا من حبس اللبنانيين في تحجر العصور الوسطى والانقسام العامودي المتجدد بفعل النظام السياسي المولد للعصبيات الذي هو صيغة دائمة لحرب أهلية كامنة تنتظر أزمة داخلية وتدخلات خارجية تفجرها.