ليس حكيما بالضرورة: بن كسبيت

قرار الإخراج عن القانون للجناح الشمالي في الحركة الإسلامية الإسرائيلية هو خطوة شجاعة ومحقة. فهل هي ايضا صحيحة وحكيمة؟ ليس مؤكدا. هذا ما سنعرفه في المستقبل. فليس كعادته، لم يهرب نتنياهو هذه المرة من المسؤولية ولم يؤجل قرارا صعبا قد تكون له نتائج غير بسيطة. فقد دار حول هذا القرار، عمق، أجرى مداولات غير نهائية، ولكنه في النهاية قرر. الحظوة تعود ايضا لوزير الأمن الداخلي جلعاد اردان، الذي كان السائد والمتصدر لكل ما حصل خلف الكواليس. لقد اوقف اردان الشرطة كهيئة متساوية الوزن مع جهاز الأمن العام، شجعها على أن تتقدم بفتوى استخبارية خاصة بها، طرح الاسئلة الصعبة وافترض التفكير من خارج العلبة، حتى الاستنتاج النهائي.

بالنسبة لسطر النتيجة، لا يزال مبكرا الحديث. في المستقبل فقط، عندما يتضح تأثير هذا القرار وتقاس نتائجه، سنتمكن من المعرفة. فجهاز الأمن العام يمنع هذه الخطوة منذ سنوات طويلة، ولا يمكن الاشتباه بجهاز الشاباك بانه من مؤيدي الشيخ رائد صلاح. فجهاز المخابرات يفكر على ما يبدو بتعابير عملية اكثر وتوصل إلى الاستنتاج بان جدوى هذه الخطوة أقل من اضرارها المحتملة. فليس كل ما يبدو محقا، يكون حكيما أيضا.

يفقد جناح رائد صلاح الشعبية في السنوات الاخيرة. والمهرجانات الجماهيرية التي كانت تجتذب خمسين الف متظاهر، باتت تجمع بالكاد عشرة الاف، ويبدو أن السحر قد زال. في هذه المرحلة يمكن للاخراج عن القانون أن يساعد الحركة في اختراع نفسها من جديد. فطالما كانوا جمعية قانونية، كان يمكن متابعتهم، مراقبتهم واحتواء ظاهرتهم.

هناك تخوف من أن يضيف تحويل الحركة الإسلامية إلى جسم غير قانوني إلى رومانسيتها فينتج «أثر داعشي» يجعلها خيارا أكثر «صخبا» للشباب المستائين. نوع من داعش أزرق ـ أبيض. ثمة بالطبع وضع لا بد سنتوق فيه لتعهد رائد صلاح البهيج، كما نتوق الان لنماذج اكثر سلبية منه بكثير. ولكن مرة اخرى، لن نعرف الجواب على هذه المسائل إلا في المستقبل. لقد أخذت القيادة السياسية على عاتقها المسؤولية فقررت، وهذا ايضا شيء ما.

حسب توصية المخابرات، كان من الافضل اخراج حركة الاخوان المسلمين العالمية عن القانون. مصر السيسي سبق ان فعلت هذا. وحسب المخابرات، فان الاخوان المسلمين هم الممولون والمثيرون الاساسيون لحماسة الحركة الإسلامية في البلاد. الشجرة العائلية لهذه المنظمات تضم ايضا حماس في غزة. وتشير المادة الاستخبارية بوضوح إلى علاقة مباشرة بين مواعظ اسماعيل هنية في غزة ومواعظ الشيخ صلاح في ام الفحم، وكذا المال يأتي في ذات القناة. وبالمناسبة، في حسابات الحركة البنكية يوجد قرابة مئة مليون شيكل.

توصية المخابرات لم يؤخذ بها في نهاية المطاف لانها لم تضع كل الادوات المهنية لمواجهة الظاهرة التي وضعها قرار اخراج الحركة الإسلامية عن القانون، وكان سيعرض للخطر المحتمل العلاقات مع دول كتركيا وربما حتى الاردن. كان في الكابنت وزراء مثل آييلت شكيد، أيدوا خطوة مزدوجة، لاخراج الحركتين عن القانون، ولكن هذا النهج رفض.

لقد كان السياق في الكابنت مشوق على نحو خاص لان شرطة إسرائيل، التي هي جسم اكبر بأضعاف من جهاز الأمن العام ـ المخابرات، تلقت فجأة حجما ونصيبا في اتخاذ القرارات على مستوى الأمن الوطني. جلعاد اردان مسؤول عن هذا، حين شجع بنتسي ساو على تنسيق العمل الاستخباري لرفع فتوى مرتبة، مهنية، دون انزال الرأس امام المخابرات ودون تردد. لقد كانت الفتوى جذرية وتضمنت ايضا وثيقة مفصلة من قسم التحقيقات والاستعلامات، وكذا استشارات مع كل قادة الالوية في إسرائيل. لكل قائد لواء في الشرطة يوجد مستشار للشؤون العربية واحتكاك مع السكان العرب. وحسب تقدير الشرطة، فان رد الفعل في الجمهور العربي الإسرائيلي على الخطوة سيكون معقولا وقابلا للاحتواء. وبالمناسبة، فان معظم وزراء الكابنت يعتقدون بانه حتى لو كان التقدير بان يكون رد الفعل قاسيا، فانه يمكن ويجب تنفيذ الخطوة. فقد حان الوقت كي نحكم، كما قال بعض الوزراء.

لقد اتخذ القرار المبدئي قبل نحو اسبوع ونصف الاسبوع. وتأجل النشر إلى موعد مريح. فالهجوم الإرهاب على باريس كان نافذة الفرص المثالية.

بعد يوم الجمعة الثالث عشر في باريس، كانت مثل هذه الخطوة أسهل بكثير على الشرح مما كان من قبل. فما بالك أنه مع الشرح جاءت التهدئة الجزئية: لا توجد نية لاعتقال عشرات الاف الاعضاء في الحركة، لا توجد نية لاغلاق مؤسسات خيرية لا ترتبط بالتحريض. زعماء الحركة سيعتقلون، الاموال ستصادر، التحريض سيوقف، واذا ما استمر من خلال فتح جمعيات وهمية بديلة، فهي الاخرى ستغلق. اما كل باقي النشاطات والاشخاص فيمكنهم أن يهدأوا. فليسوا هم على بؤرة الاستهداف.

كيف لم يحصل هذا منذ زمن بعيد؟

اطلالة على تقرير لجنة أور، التي فحصت اضطرابات تشرين الاول 2000، تثير السؤال كيف لم يتم اخراج الحركة الإسلامية عن القانون منذ زمني بعيد. 15 سنة مرت منذ الانتفاضة اياها، ويتبين بان كل شيء مكتوب هناك، في التقرير. لقد مدت اللجنة خط ربط واضح بين تحريض الحركة والمسؤول عنها وبين اندلاع الاضطرابات الدموية في تشرين الاول، وضربت أمثلة عن ذلك.

«يبدو أن الشيخ صلاح أعرب عن تأييده للسلوك الذي تم في اعمال الاخلال بالنظام التي سبقت احداث تشرين الاول، هكذا في الصدامات الشديدة مع الشرطة في احداث الروحة ظهر صلاح وهو يشجع المتظاهرين بهتافات حماسية. وبعد الاحداث كانت له أقوال تثني عليهم، بشكل يمكن أن يفهم منها موقفا من جوانب العنف ايضا».

حسب اللجنة، تحدث الشيخ صلاح بعد تلك الاحداث، ووصفها بانها «محاولة مؤثرة» ودعا الجمهور العربي في إسرائيل إلى الصدام مع السلطات. فقد قال: «نحن لسنا عنيفين، ولكن إذا ما فرض علينا العنف، فسنكون أعنف». وفي افادته امام الشرطة قدم رسالة شرعية للعنف. بدأ بحملة سياسية واسعة تحت شعار «الاقصى في خطر»، دعا إلى تقديم التضحيات بالروح من أجل الدفاع عن الاقصى وصد كل محاولة للتنازل السياسي في هذا الموضوع. وحسب لجنة أور، فمن ناحية الشيخ صلاح، فان الحائط الغربي (حائط المبكى) هو جزء من الاقصى وحتى مواقع حرس الحدود في مدخل الموقع تشكل «خطرا على الاقصى».

في خطاب الشيخ صلاح قبل اسبوعين من اندلاع اضطرابات تشرين الاول يقول: نقول للمجتمع اليهودي بصدق، ليس لكم حق ولا على حجر في المسجد الاقصى المبارك… الحائط الغربي للاقصى المبارك هو جزء من الاقصى. لا يحتمل ابدا أن يكون هناك حائط غربي صغير. لا يحتمل ابدا ان يكون هناك حائط غربي كبير. نقول للقيادة السياسية في إسرائيل وللقيادة الدينية في إسرائيل بان المطالبة بابقاء الاقصى تحت السيادة الإسرائيلية هي ايضا اعلان حرب على العالم الإسلامي»….

كما تقول لجنة أور انه «رغم حذرهم في موضوع شرعية دولة إسرائيل، وشعورهم بانهم يقيمون علاقات متبادلة عملية مع مؤسساتها، فان الشيخ رائد ورجال حركته لم يمتنعوا دوما عن اقوال فيها مثابة نزع الشرعية.

في نيسان جرت في عكا مظاهرة شارك فيها الشيخ رائد صلاح والقى فيها زعيم آخر لحركته خطابا. في هذا الخطاب قيل انه «يجب بذل كل ثمن من اجل استعادة بلاد الوطن السليب»، وفصل واشار إلى مدن القدس، حيفا، عكا، بيسان ويافا. ووصفت إسرائيل في هذه الاقوال كـ «قرد شاذ وخائن يجب تطهير البلاد منه».

ان رسائل الشيخ صلاح، كما كتب في خلاصة تقرير لجنة أور، «عملت على تسخين الاجواء مما ساهم في اندلاع العنف في تشرين الاول 2000».

معاريف