من أوباما إلى كيري.. وتركيا: أية عملية حدودية مشتركة؟ محمد نور الدين
أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، أن «الحدود الكاملة لشمال سوريا أغلقت 75 في المئة منها الآن، ونحن مقبلون على عملية مع الأتراك لإغلاق 98 كيلومترا متبقية».
بأي معنى يأتي كلام كيري، وما هي المنطقة المقصودة في كلامه، وما هي القوة العسكرية التي ستضمن أمن المنطقة، وممن ستنظف هذه المنطقة، وما هو دور الولايات المتحدة أو الجيش التركي أو المجموعات المسلحة الموالية لتركيا؟
أولاً، إن المنطقة التي يقصدها كيري هي الممتدة من مدينة جرابلس إلى مدينة مارع شمال حلب، والتي يتمركز فيها الآن «داعش»، وهي المنطقة الحدودية الوحيدة «الداعشية» التي تحاذي الحدود التركية، والتي يبلغ طولها مئة كيلومتر تقريبا. وهي المنطقة التي كانت تريد تركيا، ولا تزال، أن تجعلها منطقة عازلة لتجميع اللاجئين السوريين فيها بحسب المبرر العلني. لكن أنقرة تريد أولاً أن تخضع هذه المنطقة لهيمنتها المباشرة، لمنع تجاوز قوات الحماية الكردية نهر الفرات غرباً والاستيلاء على جرابلس وصولا إلى كانتون عفرين، ما يعني تقريبا سيطرة الأكراد على كامل الحدود مع تركيا، ما عدا جانبا من الحدود مع لواء الاسكندرون.
لكن لتركيا هدفاً آخر من السيطرة المباشرة على منطقة «داعش»، وهو أن تشكل منطلقا لتكثيف هجمات المجموعات المعارضة ضد الجيش السوري الذي يتقدم في ريف حلب، مع هدف له في المرحلة المقبلة يتمثل في قطع خط إمداد الجماعات المسلحة في حلب المفتوح على الحدود التركية.
وفي العودة إلى كلام كيري فإن حديثه عن حفظ تركيا لـ 75 في المئة من امن حدودها غير دقيق، إذ إن هناك حوالي 550-600 كيلومتر من الحدود العراقية إلى عين العرب (كوباني) تسيطر عليها قوات الحماية الكردية بنفسها، وليس لتركيا أي دور في ذلك، خصوصا أن معظم هذا الشريط الكردي كان بيد «داعش»، ولم تكن أنقرة تحرك ساكناً ولا ترى فيه إرهابا ولا تهديداً، بينما الآن تصف أنقرة قوات الحماية الكردية بأنها إرهابية وتشكل تهديداً للأمن القومي التركي، وتعتبر أي تجاوز للأكراد لغرب الفرات خطاً احمر. أي أن ما تبقى من حدود توجد فيها مجموعات موالية لتركيا مباشرة، مثل «جبهة النصرة» و «جيش الفتح» لا يتجاوز الـ 200-250 كيلومتراً كلها مع لواء الاسكندرون مع جزء صغير بين عفرين ومنطقة «داعش».
وهنا نشير إلى أن وسائل الإعلام التركية الموالية للرئيس رجب طيب أردوغان كانت قد تحدثت عن إمكانية القيام بـ «عملية كبرى» في النصف الثاني من كانون الأول المقبل، بالتشارك مع الولايات المتحدة، لكن في حال لم تشارك قوات التحالف الغربي وأميركا في مثل هذه العملية فإن أنقرة لن تدخل وحدها براً.
لكن كلام كيري لا يعني أبدا توافقا أميركيًّا – تركيًّا على كل تلك الأهداف التركية، إذ إنه قبل ساعات فقط من تصريح كيري خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبعد ختام قمة العشرين، بموقف قاطع ورافض لأي تدخل أميركي بري ولإقامة منطقة عازلة أو منطقة حظر جوي. وقال أوباما إن الولايات المتحدة لن ترسل قوات إلى سوريا لأن هذا سيكون خطأ. ورفض بشكل حاسم إقامة منطقة حظر طيران، لأنه ليس لدى «داعش» طائرات. كما رفض المنطقة العازلة بالقول إنها تحتاج إلى قوات كثيرة.
وتساءل أوباما: «عمن هي القوى التي ستدخل منطقة عازلة، ومن هي القوى التي ستخرج منها وكيف ستعمل هذه القوى، وهل ستشكل مكانا جاذبا لهجمات إرهابية؟»، مضيفاً: إن مستشاريه دعوه ألا يرسل قوات إلى الرقة والموصل لأنه «إذا حدث هجوم إرهابي في اليمن فهل سنرسل قوات إلى هناك؟». وقال إن هدفنا تقليص حركة «داعش» ودعم القوات الكردية والسورية والعراقية، معتبراً أن الهجمات الجوية تنجح في جعل «داعش» يتراجع.
من كلام أوباما هذا يتبين أن أي عملية في سوريا لن تكون برية، ولن تشارك فيها الولايات المتحدة، وبالتالي فإن العملية البرية في حال حصل شيء من هذا لن تكون حتى تركيا جزءا منها، وفقا لتصريحات رئيس الحكومة احمد داود أوغلو، وهي ستعتمد في حال حصلت على مجموعات تعدها تركيا منذ أشهر من التركمان وبعض المجموعات السورية الموالية لها، وهذا يعني أن هذه القوى ستدخل في اشتباكات مع «داعش» في معركة غير مضمونة النتائج، لكن بقصف جوي مكثف من جانب الولايات المتحدة وتركيا.
وخلا ذلك فإن كيري ربما كان يقصد في كلامه عمليات جوية مشتركة مع تركيا في منطقة جرابلس ـ مارع لتعطيل حركة «داعش»، وهدفها الأساسي أميركياً التعبير عن موقف مُعادٍ للتنظيم التكفيري في ظل الموقف الروسي الصارم في سوريا ضد «داعش» وإحداث بعض التوازن في صورتها الملتبسة عن موقفها من «الدولة الإسلامية». أما تركيا فتريد من مشاركتها في عمليات جوية محتملة إبعاد الشبهات العلنية التي عبر عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما قال إن أكثر من 40 دولة، من بينها أعضاء في قمة العشرين، تدعم الإرهاب «الداعشي».
(السفير)