قمة العشرين: تغيّر موازين القوى الدولية…حميدي العبدالله
منذ سقوط الاتحاد السوفياتي هيمنت الولايات المتحدة، ومن خلالها الغرب على العلاقات الدولية، وغاب وجود أيّ معسكرات منافسة للغرب، وأصبحت اجتماعات الدول الصناعية السبع، والتي أضيفت إليها روسيا يلتسين لاحقاً لتصبح مجموعة 7+1 لتهيمن على صناعة القرار الاقتصادي والسياسي على المستوى العالمي .
لكن بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصادات الغربية، وعلى رأسها الاقتصاد الأميركي، وفشل محاولات الخروج منها، واستمرار معدلات نمو الاقتصادات الغربية تدور حول نسبة 1 بدأت العلاقات الدولية تشهد تغيّراً ملحوظاً، بداية من خلال استحداث إطار دولي جديد ليحلّ محلّ مجموعة الدول السبع، وليكون فاعلاً في معالجة الأزمات الاقتصادية، وتزامن ذلك مع ولادة شكلين آخرين لتكتلات إقليمية، الشكل الأول ما عُرف بمنظمة أو مجموعة شنغهاي، والثاني ما عرف بمجموعة بريكس ليفصح ذلك عن وجود تحوّل عميق في العلاقات الدولية على الصعيد الاقتصادي، أساسه تغيّر توازن القوى الاقتصادية عبر تصاعد قدرات دول بريكس وانحدار قدرات الدول الصناعية التقليدية، الأمر الذي أحدث تغييراً ملحوظاً حتى على المستوى السياسي، بحيث باتت اجتماعات قمة العشرين، وما يصاحبها من تداول في الشؤون السياسية الدولية، أكثر أهمية وأعمق تأثيراً على العلاقات الدولية من اجتماعات الدول الصناعية السبع والبيانات الصادرة عنها، سواء ما يخصّ الشأن الاقتصادي الدولي أو الشأن السياسي، لما للدول الأخرى المجموعة الصناعية التقليدية من تأثير ولا سيما على المستوى الاقتصادي.
لا شك أنّ عودة روسيا إلى محافل السياسة الدولية، ورفضها للنظام الدولي الأحادي بقيادة الولايات المتحدة والغرب، والدعم الذي تحوز عليه من مجموعة بريكس لسياستها الداعية إلى إقامة نظام دولي متعدّد الأقطاب، وإسهامها النشط والفعّال في التصدّي للمشاكل الدولية، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، أضاف بعداً سياسياً كبيراً لقمة العشرين، ولا سيما هذه القمة التي جاءت بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، وما نتج عنه من كسر العزلة على روسيا التي حاول الغرب فرضها عليها من جديد على خلفية الأزمة الأوكرانية، إذ تبوأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مكانة مرموقة في قمة العشرين التي تعقد الآن في تركيا، وباتت أهمية روسيا ورئيسها في مداولات القمة السياسية تفوق أهمية الولايات المتحدة التي هيمنت على أجندة القمم الدولية في مراحل سابقة.
في ضوء كلّ ذلك يمكن القول ويمكن الاستنتاج الأكيد، ومن دون مبالغة، أنّ قمة العشرين في تركيا تعبّر هذه المرة عن تبدّل عميق في موازين القوى الدولية.
(البناء)