سورية وصراع المحورين
غالب قنديل
الوقائع التي حملتها اجتماعات فيينا وأنطاليا حول الملف السوري تكشف استمرار الصراع العالمي بين المحورين المتقابلين دوليا رغم التحولات الاستراتيجية والسياسية التي فرضت نفسها بالتدخل الروسي إلى جانب الدولة السورية ومحور المقاومة في القتال ضد الإرهاب على الأرض السورية واضطرار الولايات المتحدة للتسليم بنص سياسي في فيينا أسقطت منه الشروط المسبقة حول مستقبل سورية التي باتت تختصر باسم الرئيس بشار الأسد الذي هو عنوان استقلال سورية ووحدتها وقائد الحرب الوطنية التي تخوضها بجميع قدراتها شعبا وجيشا ودولة وطنية لدحر الإرهاب الذي استحضره وحشده ودعمه حلف العدوان .
اولا لابد من التنويه بما قامت به روسيا وإيران الحاضرين في فيينا بقوة وبصلابة موقفهما المناهض لجميع مفردات التدخل والوصاية على المستقبل السوري من خلال التصميم على حوار سوري سوري دون تدخلات وشروط مسبقة وبالاحتكام إلى الشعب السوري في حصيلة الحوار وعبر صناديق الاقتراع تماما كما عبر عن هذا الخيار الرئيس بشار الأسد منذ بداية العدوان.
التدخلات الأميركية الأطلسية التركية السعودية في النقاشات هدفت إلى فرض مشاركة مجموعات إرهابية وعميلة للخارج في الحوار لحجز مواقع تأثير في المعادلة السورية وهو ما تبدى في مناقشة لائحة الإرهاب وبروز محاولات جديدة ومتواصلة لتبرئه جبهة النصرة وجماعة الأخوان المسلمين وأذرعتها العسكرية من هويتها الإرهابية التكفيرية.
الورقة السياسية هي نص نظري حصلت في صياغته تراجعات من دول العدوان عبر التسليم باولوية القضاء على الإرهاب ومن خلال إسقاط الشروط التي كانت ترد تحت عنوان دور الرئيس بشار الأسد لكن في النص حقل ألغام وصياغات مطاطة للتحايل على الاختلاف المستمر والمتواصل الذي سيحسمه الميدان مع تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض السورية بالشراكة مع الجهد الروسي الجوي.
ثانيابرز التعنت السعودي صارخا من خلال التصريحات العدائية التي لم تنجح جهود جون كيري في الالتفاف عليها عبر النقاش الذي جرى بينه وبين عادل الجبير امام الصحافيين ورغم تأكيد كيري على الاتفاق مع الموقف السعودي من الرئيس بشار الأسد في التحليل الأخير كان كيري يحاول تاجيل النقاش بسبب الاضطرار الأميركي والغربي لمسايرة الموقفين الروسي والإيراني بعد التحولات الميدانية في القتال ضد داعش والجماعات الإرهابية الأخرى على الأرض السورية وما برهنت عليه الضربات الروسية المتناغمة مع القوى المقاتلة ميدانيا بقيادة الجيش العربي السوري وإلى جانبه .
نجحت روسيا منذ بدء ضرباتها الجوية وتنفيذ الخطة القتالية المشتركة مع سورية وإيران وحزب الله في كشف هشاشة وعجز حملة اوباما الجوية التي لم تسفر عن تغيير جدي في التوازنات العسكرية بل افتضح طابعها الاحتوائي وشكلت عملية باريس حافزا إضافيا لمواقف وتصريحات غربية عن فشل تلك الحملة وانطلقت في فرنسا محاكمات أعمق عن التورط الفرنسي في الحرب على سورية بلغت حد الدعوة للانتقال إلى التعاون مع الدولة الوطنية السورية.
ثالثا ما يزال الغرب يغطي التورط التركي في دعم واحتضان العصابات الإرهابية بما فيها داعش التي ما تزال مواردها المالية تتدفق عبر تركيا بنتيجة تجارتها في النفط المسروق من سورية والعراق بالشراكة مع الحزب الأخواني الحاكم في تركيا بينما تتدخل تركيا مباشرة بالنيران وبالفرق العسكرية المشاركة في القتال داخل صفوف الفصائل التركمانية والشيشانية والطاجيكية والإيغورية ومع توافر تقارير عن وجود ضباط اتراك في غرف القيادة داخل منطقتي حلب وإدلب ووسط ما تردد عن خطط تركية مباشرة للتدخل العسكري بهدف إقامة شريط تركماني حدودي في الشمال السوري.
التصميم السعودي القطري على مواصلة دعم الجماعات الإرهابية واضح جدا ومعلن وهذا يسقط كذبة الاتفاق على أولوية مكافحة الإرهاب في سورية وكلام كيري الذي نقل عنه في اجتماعات فيينا يكشف حقيقة ما تقوم به الولايات المتحدة من ابتزاز سياسي برفضها تجفيف موارد الإرهاب ورغم ما تردد عن كلام اوباما بشان الحدود السورية التركية استجابة لضغط روسي متواصل من سنوات .
رابعا يتأكد من متابعة هذه المعطيات ان هجوم باريس الداعشي ولد بعض الحرج لدول العدوان وقيادتها الأميركية لكنه لم ينتج عمليا مقاربات جديدة ومنطقية ومن الواضح ان بيت القصيد والمفصل الحاسم والمقرر هو معارك الميدان التي تشهد اندفاعة متواصلة للجيش العربي السوري على جميع الجبهات في وجه وحش الإرهاب التكفيري بجميع فصائله وقواه المدعومة من الغرب وتركيا والسعودية .
المرحلة المقبلة سوف تشهد مزيدا من التحولات السياسية بالتوازي مع تغيير توازن القوى لصالح الدولة الوطنية السورية وحلفائها ولن يلبث العالم ان يجد نفسه في الحصيلة النهائية امام حقيقة الإقرار بمكانة الرئيس بشار الأسد وزعامته الشعبية التي يكبر رصيدها بين السوريين التواقين إلى الخلاص بعد انفضاح الثورة المزعومة وانكشاف حقيقة العدوان الاستعماري على بلادهم ولا مقارنة ممكنة بين حجم السوريين الذي يمكن ان يختاروا في أي انتخابات مقبلة عملاء الخارج وبين الكتلة الشعبية الحاسمة المنحازة إلى استقلال سورية ودولتها الوطنية المقاومة وستكشف الأحداث المقبلة ان الغرب وعملاءه الذي قادوا هذه الحرب الدموية التي تهدد مصير العالم وامنه بتداعياتها فرضوا بصلفهم تحولا تاريخيا في التوجه السوري نهائيا نحو الشرق على جميع الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية حيث ستكون سورية مرتبطة عضويا بشركائها المخلصين وحلفائها الصادقين من إيران إلى روسيا والصين ومجموعة البريكس بعد انفضاح التآمر الغربي الخليجي التركي وهذا هو الخيار الذي ستكشف الأيام أنه يحظى بمساندة غالبية سورية حاسمة.