«إحذروا هدوء نصرالله»… ابراهيم ناصرالدين
البحث عن تسوية سياسية لبنانية فوق انقاض تفجيري برج البراجنة يبدو متعذرا حتى الان، التضامن الداخلي والادانة الشاملة للتفجير الارهابي، مؤشر ايجابي، لكن لا ينتج حلولا، وفي هذا السياق فان الظهور الهادىء للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل ساعات ودعوته للإفادة من الجو الإيجابي والتعاطف الوطني الكبير لتسوية وطنية شاملة، لا تملك الكثير من الفرص للنجاح، والسبب بسيط، «ابحثوا عن السعودية»؟؟
اوساط سياسية مطلعة تشير الى ان تيار المستقبل، يرى في الحادث «نقطة ضعف» يجب استغلالها للحصول على تنازلات من الطرف الاخر، تبدأ في دمشق وتنتهي في بيروت، بينما يرى حزب الله ما حصل في برج البراجنة دليل اضافي على صحة استراتيجيته في الذهاب الى سوريا لقتال تلك المجموعات التكفيرية التي بات خطرها عالميا وتجاوز الدعاية «المشروخة» لفريق 14 آذار حول تحميل الحزب مسؤولية استدراج الارهاب الى الساحة اللبنانية بسبب دخوله الحرب السورية. فهل فرنسوا هولاند يدعم الرئيس السوري بشار الاسد ويدفع اليوم ثمن هذا الدعم؟ لكن «المهزلة» تكمن في الاجابة على هذا السؤال ايضا، فوفقا لاوساط ديبلوماسية حاول الوفد السعودي في فيينا توظيف تفجيرات باريس خدمة لاجندته السياسية، واصرعلى التشكيك «بالتوقيت المشبوه» للهجوم ملمحا الى توطؤ دمشق مع المنفذين، وذلك بعد ان طغت الهجمات على نقاشات المجتمعين، وصارت الأولوية للحرب على الإرهاب وهو تبنٍ مباشر لمعادلة الرئيس بشار الأسد!
وانطلاقا من هذه «العقلية السعودية، فان المشكلة الرئيسية تبقى في الاولويات، تيار المستقبل يريد من حزب الله ممارسة نقد ذاتي ينتهي بالخروج من الحرب، فيما يتجه الحزب الى تعزيز وجوده النوعي والكمي هناك «لافهام» التنظيمات الارهابية ان ثمن التفجيرات في الضاحية سيكون كبيرا. واذا كان حزب الله يرغب بالوصول الى تسوية شاملة ولا يناور في هذا الامر، فانه سيكون راضيا اذا ما استمر «المستقبل» سياسيا بالعمل وفق معادلة «ربط النزاع» الحالية، وما يعنيه اكثر هو رفع مستوى انخراط فرع المعلومات في الحرب على الارهاب، وثمة ترقب لمعرفة ما اذا كانت الاندفاعة الحالية نقطة تحول ستؤسس لتعاون جدي يرتقي الى مستوى العلاقة بين استخبارات الجيش اللبناني وامن المقاومة، ولهذا الامر دلالات مهمة في المرحلة المقبلة، تؤمن بالحد الادنى فصلا ضروريا ومطلوبا بين السياسة والامن، ويعوض عدم قدرة «التيار الازرق» على تجاوز الاعتراض السعودي على فصل الملف السوري عن التسوية السياسية على الساحة اللبنانية.
وفي هذا الاطار يشكل الملف الامني اولوية ملحة لدى حزب الله الذي يتجه لاتخاذ اجراءات متقدمة في الداخل وعلى الساحة السورية، واذا كانت اعتداءات باريس سترتب عدداً من النتائج ذات البعد الاستراتيجي، فان تفجير برج البراجنة سيرتب ايضا الكثير من النتائج الاستراتيجية. قيادة المقاومة اجرت تقويما دقيقا «للثغرات» الامنية التي حالت دون اكتشاف المخطط الارهابي قبل وقوعه، هذا الامر يتطلب مراجعة كاملة لكافة الاجراءات الميدانية المتخذة، ويتطلب ايضا تغييرا جذريا في التعامل النمطي مع الواقع الامني السائد في المخيمات الفلسطينية للحد من تحويلها الى «محطة» دعم «لوجستي» للارهابيين، كما ثمة توسيع لنطاق العمليات الاستباقية بالتعاون مع الاجهزة الامنية اللبنانية، و«نفض الغبار» عن العديد من الملفات الامنية التي كانت موضوعة على «الرف»، وثمة تكثيف للاجراءات الاحترازية المتعلقة بمسح شامل متجدد لكافة الوافدين الجدد والقدامى الى المناطق المعرضة للاستهداف، وغيرها من الاجراءات البعيدة عن «الاضواء». اما «العاصفة الامنية» الاكثر ضراوة فستكون على الساحة السورية، العمليات النوعية ستتكثف للقضاء على «الرؤوس» المدبرة، الاولوية ستعود لتنظيف مناطق سيطرة «داعش» في الجرود المقابلة لرأس بعلبك والقاع، المواجهة ستتوسع في سوريا. وتختصر تلك الاوساط طبيعة المرحلة المقبلة في اطار الصراع مع التكفيريين بالقول «احذروا هدوء نصرالله اكثر من انفعاله… انه الهدوء الذي يسبق «العاصفة»..
(الديار)