مقالات مختارة

فرنسا لم تتعلم!: الون بن دافيد

 

في نهاية هذا الاسبوع نصب «داعش» نفسه كالتنظيم الإرهابي الرائد في العالم. ليس فقط خلافة إسلامية حققت لها معقلا في اراضي سوريا والعراق، بل تنظيما يعمل في عدة قارات وفي شهر واحد يسقط طائرة مسافرين روسية وينزل على فرنسا ضربة إرهاب هي الاشد التي تشهدها على اراضيها.

ومثل القاعدة في حينه يريد «داعش» صدى إعلاما عالميا. ولكن ليس مثل القاعدة، الذي عاش برعاية دولة طالبان في افغانستان، «داعش» هو تنظيم ودولة في نفس الوقت. لقد أخطأ تنظيم القاعدة حين أطلق عمليات 11 ايلول. فقد اجتاز حدود الصبر الغربي، جلب على نفسه غضب القوة العظمى الأمريكية، التي خرجت ضده في حرب وكادت تصفيه تماما.

هل «داعش» هو الاخر اخطأ في عمليات 13 تشرين الثاني في باريس؟ هل هو ايضا اجتاز الحدود، والعمليات في باريس ستكون نقطة الانعطاف في موقف أوروبا من الإرهاب وبداية النهاية ل»داعش». في هذه اللحظة يبدو هذا هكذا.

الهجوم في باريس كان مخططا ومنظما جيدا. ومع أن ليس كل شيء عمل كما كان مخططا: يبدو أن المخربين اعتزموا تفجير ثلاث عبوات داخل ستاد دي فرانس، ولانهم لم يتمكنوا من الدخول مُنعت مصيبة اشد بكثير. ولكن حقيقة أنهم هاجموا عدة مراكز، مع ست عبوات ناسفة واسلحة، تدل على قدرة عملياتية وعلى غير قليل من الاعداد وجمع المعلومات قبل العمليات.

معقول الافتراض بأن هذه العمليات نظمتها شخصية جهادية عادت لتوها من سوريا مع الكثير من التجربة. بات واضحا بان معظم المنفذين هم فرنسيون، يعرفون الاماكن التي عملوا فيها. معقول ايضا انه مثلما في حالة هيبر كيشر، لم يكن لدى الاستخبارات الفرنسية أي اخطار، ومثلما في حينه، هذه المرة ايضا لم يعملوا.

مقلقة أكثر معرفة أنه على المستوى العملياتي لم يتعلم الفرنسيون شيئا. فالقدرة الحرجة لمواجهة الإرهاب هي قوات التدخل السريع التي تصل إلى مكان العملية في غضون دقائق. في ظل غياب رد سريع، لا قدرة على التأثير على نتائج العملية. ومثلما في هيبر كيشر، في قاعة لعروض في تكلان ايضا كان رد قوات الأمن الفرنسية بطيئا جدا وانتهى بنتائج مأساوية.

رغم سلسلة العمليات في أوروبا في السنوات الاخيرة، ورغم موجة المهاجرين التي تغمرها بالمخربين المحتملين، لم تتخذ القارة بعد الخطوات الاساسية اللازمة لمواجهة التهديد: إقامة غرفة عمليات للاستخبارات والاحباطات تشارك فيها دول غرب أوروبا، متابعة وجمع معلومات دقيقة ايضا ضد اصحاب الجنسيات الذين يشكلون خطرا ومنظومة رقابة حدود تمنع تهريب السلاح ووسائل القتال. فكل الدول الاوروبية عرضة في هذه اللحظة لذات التهديد والعملية التالية هي مسألة قدرة وفرصة فقط.

علامة الاستفهام الكبرى حول هذه العمليات هي لماذا فرنسا بالذات؟ ففرنسا ليست من متصدري التحالف ضد «داعش»، وتأثيرها هناك شبه هامشي. ما هو منطق الدولة الإسلامية التي تتلقى في الاونة الاخيرة هزائم على الايدي الاكراد السوريين، ان تفتح جبهة اخرى في أوروبا؟ كان يمكن أن نتوقع ان يركز «داعش» بالذات على تثبيت معقله في الاراضي السورية وفي الدفاع عن حدوده والا يبحث عن مغامرات اخرى.

ولكن ربما بالذات بسبب تلك الهزائم التي تكبدها على الارض، شعر هذا التنظيم، الذي لا مبرر له بلا صدى إعلامي بانه ملزم باطلاق روح الفخار والنجاح في اوساط مقاتليه فأطلق الهجوم في أوروبا. واختيرت فرنسا كهدف ببساطة لانه كان ل»داعش» قدرة على العمل هناك. في المانيا وبريطانيا أجهزة الاستخبارات وترتيبات الحماية أكثر تشددا. اما في فرنسا، مع ملايين المسلمين فيها، فهي موقع اكثر راحة للعمل بكثير.

من يريد أن يكافح الإرهاب المنظم لا يمكنه أن يغلق على نفسه بيته ويكتفي بتعزيز الحراسة ـ فهو ملزم بالانتقال إلى الهجوم. ولكن من أجل الكفاح الناجع ضد «داعش» يجب لهذا أن يكون على الارض. لا تكفي الغارات من الجو. لقد اجتهد رئيس الجمهورية فرانسوا اولاند امس لان يبدو حازما، ولكن فضلا عن الكلمات من الصعب أن نتخيل فرنسا تنتقل إلى الهجوم ضد «داعش».

أولاند سيواصل التهديد، وربما يأمر بتعزيز الغارات من الجو، ولكنه لن يفعل ما ينبغي كي يصد «داعش». مشكوك أن يتمكن من صد زعيمة اليمين مارين لابين التي اضافت اليها أمس ملايين الناخبين المحتملين.

لو كان الغرب قادرا على ان يجند الشجاعة ويبعث ببضع فرق إلى سوريا، لكانوا ضربوا «داعش» بشدة. ولكن عندما تكون روح الوهن تهب من واشنطن من الصعب أن نتوقع من الاوروبيين ان يجدوا في انفسهم الجسارة ورد الحرب بالحرب.

عقليا تلقت فرنسا 11/9 خاصتها، ولكن هذه لا تكفي لدفعها لان تعمل ما يلزم. مثل لندن ومدريد في حينه، ستدفن باريس هي الاخرى موتاها. ستنفض الغبار وستعود لتأكل الباغيت المحشو بالكممبار. حتى العملية التالية.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى