من جلب الإرهابيين إلى باريس ؟
غالب قنديل
الليلة الباريسية الدامية كانت أشد إيلاما من الهجمات والتفجيرات السابقة التي ضربت فرنسا وشكلت جزءا من مظاهر ارتداد الإرهاب التكفيري نحو العمق الوروبي والغربي بعد سنوات من تورط الحكومات الغربية في عملية سياسية واستخباراتية واسعة لحشدالإرهابيين إلى سورية من ثمانين بلدا في العالم ويمكن بمراجعة واقعية لمسار التطورات التعرف إلى وجوه المسؤولين الفرنسيين في السؤال عن الجهة التي جلبت هذا الويل إلى فرنسا التي زجتها إدارة الرئيس فرانسوا هولاند خصوصا في موقع رأس حربة العدوان على سورية .
اولا منذ بداية الحرب على سورية ظهرت معالم التورط الفرنسي في حشد الجماعات الإرهابية وتدريبها وتسليحها وتسهيل انتقالها إلى سورية .
ما زالت حاضرة صورة السفير الفرنسي في البقاع اللبناني الشمالي مع ضباط الاستخبارات الذين قدموا من باريس لملاقاة عناصر من القوة الخاصة كانوا يقاتلون ضد الجيش العربي السوري إلى جانب المجموعات الإرهابية في حي باب عمرو داخل مدينة حمص وكثيرة هي الشواهد على الحماسة الفرنسية لإسقاط سورية وتعميم تسمية مسلحي جماعة الأخوان وشبكة القاعدة بالثوار وتقديم المؤازرة السياسية والإعلامية للواجهات العملية التي شاركت الأجهزة الفرنسية تحت هذا الغطاء في الضغط لفرض دور سياسي لها .
حتى الساعة يبذل جهد فرنسي مركز في العدوان على سورية ورغم انكشاف حقيقة غلبة الإرهاب التكفيري على تكوين الجماعات المسلحة في سورية ورغم بروز مؤشرات قوية على خطر الارتداد الإرهابي وخروج الجماعات التكفيرية التي رعاها حلف العدوان عن السيطرة ما تزال السلطات الفرنسية ممعنة في ورطتها.
ثانيا تساءل كثيرون عن سر الحماسة الفرنسية للتورط في العدوان على سورية وللاشتراك في إدارة الحرب بجميع مستوياتها العسكرية والمخابراتية والإعلامية والسياسية والعوامل التي تشكل تفسيرا لذلك السلوك الأرعن الذي اظهرته باريس هي التالية :
1- العلاقة الوثيقة القائمة بين الحزب الاشتراكي الحاكم وإسرائيل وكون تدمير سورية والنيل من مكانة رئيسها ودوره حلقة مركزية في استراتيجية إسرائيل على صعيد المنطقة وقد سبق لهذا العامل أي الارتباط بالصهيونية وتل أبيب ان وضع فرنسا في وضع شديد الحرج بل واتجاه إيران بعد الاتفاق النووي ومحاولات باريس المستميتة لاسترضائها إثر السلوك الفرنسي الاستفزازي خلال المفاوضات.
2- التعويل الفرنسي على استرضاء حكومتي قطر والسعودي لنيل حصة رئيسية من العقود العسكرية والتجارية من الرياض والدوحة مقابل خدمات سياسية يأتي في مقدمتها الموقف السياسي المتورط في تصعيد العدوان على سورية .
3- التبعية التامة للولايات المتحدة والتفريط بفرص التميز الفرنسي التقليدي الذي ولى زمانه منذ وفاة الرئيس شارل ديغول وهذه الحصيلة ترتبط بتحولات اقتصادية ومالية وسياسية انتجت تبعية شديدة لواشنطن في اوساط النخب الفرنسية الحاكمة خلال العقدين الأخيرين وخصوصا منذ رضوخ الرئيس الأسبق جاك شيراك لإدارة جورج بوش بعد احتلال العراق.
4- العقلية الاستعمارية التي تتعامل مع سورية ولبنان كمواقع نفوذ تقليدي وهو ما يتبدى في أسلوب التصرف ومضمون المواقف الصادرة عن الحكومات الفرنسية المتعاقبة التي أفلتت من بين أيديها فرص ثمينة للشراكة والتعاون مع الدولة الوطنية السورية التي كشفت كثيرا من خيوط التآمر عليها في قلب مراحل الحوار والتعاون .
ثالثا قدمت السلطات الفرنسية تسهيلات وحماية لجماعات الحشد التكفيري إلى سورية من خلال جمعيات المهاجرين من الدول العربية والإسلامية وعبر لجان المساجد التي تحركت بشعار دعم الثورة المزعومة وهي في الواقع أدوات تنظيم وتجنيد ونشر للعقائد التكفيرية التي ما تزال الدول الأروبية تبيح نشرها وتعميمها في صفوف ملايين المهاجرين من خلال قنوات فضائية تبث من لندن او على قمر عربسات بدعم سعودي قطري وهي تروج للأفكار الأخوانية والوهابية المتطرفة التي تشكل آلة منتجة للإرهاب المرتد إلى الداخل الفرنسي.
تلك القنوات والجمعيات واللجان تمثل بنية متكاملة تحظى بالتسهيلات الحكومية في الدول الأوروبية وبدعم سعودي قطري وفعلها التحريضي للحشد في سورية يجري من خلال نشر عقائد التكفير والتطرف التي يمثل ارتدادها في الغرب نتيجة طبيعية لأن وضع مئات الآلاف تحت تأثير وسطوة عقيدة القاعدة وداعش يعني تفريخ مجموعات إرهابية يمكن لقادة التنظيمين تحريكها كما يمكن ان يولد جماعات جديدة تبادر إلى تنفيذ مخططاتها الإرهابية الخاصة داخل فرنسا وغيرها على خطى داعش والقاعدة.
لغة العقل تقول بوجوب مراجعة السياسة الفرنسية الحمقاء اتجاه سورية ولكن حتى الآن لم تظهر بوادر جدية لذلك في باريس فهل تكون ليلة فرنسا الدامية والمؤلمة والمؤسفة حافزا كافيا لمراجعة الحسابات ام ان البلاهة السياسية والغباء الاستراتيجي والشبق المالي مستحكمة إلى درجة يصعب معها التراجع لتغرق فرنسا في مأساة ندرة العقلانية وتحمل الكلفة من أمنها ومن دماء مواطنيها ؟