ماذا يعني لافروف بقوله «آلية فيينا أساس الحلّ» حميدي العبدالله
في تصريحات أدلى بها في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية أرمينيا، قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف «إنّ صيغة فيينا أصبحت اليوم رئيسية». ومما لا شكّ فيه أنّ لافروف يبعث برسائل متعدّدة، أبرزها أنّ صيغة فيينا تجبُّ ما قبلها، أيّ تتجاوزه. بمعنى آخر أنّ أيّ حوار حول حلّ سياسي للأزمة السورية لا يجب أن ينطلق من تفاهمات جنيف 1 التي شدّدت، في أحد بنودها، على وجود مرحلة انتقالية، وكان الخلاف حول تفسير المرحلة الانتقالية سبباً رئيسياً في تباعد وجهات النظر ووصول كلّ اللقاءات والحوارات السابقة إلى طريق مسدود.
جنيف 1 لم تعد صيغة ملائمة للبحث عن حلّ للأزمة في سورية، استناداً إلى ثلاثة تحولات هامة، التحول الأول، طغيان العنصر الإرهابي وهيمنته على مجريات الأحداث في سورية وإزاحته للقوى المرتبطة بالغرب، وتهديده للاستقرار في المنطقة وعلى المستوى الدولي. هذا العنصر لم يكن موجوداً بهذا الوضوح عند وضع تفاهمات جنيف 1 وحتى إذا كان موجوداً لم يكن مسلماً به، على الأقلّ من قبل الحكومات الغربية، وفي مقدمتها الإدارة الأميركية. الآن الوضع تغير تماماً، ولم يعد ممكناً تجاهل هذا العنصر الذي تتشكل التحالفات الدولية والإقليمية بذريعة مكافحته في سورية. التحول الثاني، توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، وما ترتب عليه من نتائج وتداعيات لجهة رفع الحظر عن إيران ورفض التعاون معها لحلّ مشاكل الإقليم. طبعاً هذا إضافة إلى التحول الذي طرأ على موقف مصر من الأزمة السورية بالمقارنة مع عام 2012 عندما كان الإخوان المسلمون يسيطرون على الحكم في مصر. وأدى هذا التحول إلى مشاركة أطراف إقليمية بارزة بوزن إيران ومصر في البحث عن حلول سياسية للأزمة السورية. التحول الثالث هو الانخراط العملي العسكري المباشر لروسيا في مكافحة الإرهاب في سورية، على قاعدة التعاون مع الجيش والحكومة السورية بوصفهما القوتين الشرعيتين.
بديهي أنّ هذه التحولات تجعل من الصعب اعتماد مقاربة جنيف 1 لتسوية الأزمة القائمة في سورية، لأنّ الإصرار على هذه المقاربة يقود إلى نوع من أنواع الانفصال عن الواقع، وبالتالي يؤدي إلى فشل أي جهد يُبذل لإيجاد تسوية سياسية للحرب الدائرة ونزيف الدم المستمر.
بهذا المعنى، أصبحت «صيغة فيينا» بنقاطها التسع، وفي إطارها الذي يضمّ دولاً مؤيدة ودولاً معادية لسورية، هي الآلية الواقعية والأنسب للبحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية، بمعزل عن متى وكيف يمكن بلورة هذا الحلّ في ظلّ تعقيدات المشهد الميداني والسياسي، وتداخل وتعارض مصالح دول كثيرة باتت موجودة الآن بشكل أو بآخر في مسرح الأحداث السورية.
(البناء)