بقلم غالب قنديل

كواليس فيينا تفضح حقيقة العدوان

syr kowwa

غالب قنديل

منذ العام 2011 يواجه النقاش حول العدوان على سورية سؤالا مركزيا في تشخيص ما يجري بين حقيقة العدوان الاستعماري وزعم رواية حلف العدوان عن أزمة داخلية قدم لها الرئيس بشار الأسد منذ البداية وصفة الحوار والاحتكام إلى الإرادة الشعبية عبر صناديق الاقتراع رافعا التحدي في وجه المنادين ” بإسقاط النظام ” من الواجهات السورية التابعة للخارج وحكومات حلف العدوان بقيادة الولايات المتحدة واتخذ مبادرات دستورية وسياسية جريئة تناسب ما يفترض أنه تلبية للمطالب الإصلاحية الداخلية وقد نجح الأسد في الفصل بين مفردات الأزمة ومظاهر العدوان الاستعماري الذي استثمر عليها وحاول التستر بها.

أولا كانت جميع مظاهر الحرب الدائرة تدلل على وجود عصابات تقودها من الخارج وتوفر لها الدعم حكومات تقودها الإدراة الأميركية التي ترأس وزيرا خارجيتها هيلاري كلينتون وجون كيري اجتماعات دولية كبرى لقيادة العدوان ونشرا وهم المواعيد المستعجلة الخائبة تباعا للتخلص من الرئيس الأسد والدولة الوطنية السورية .

حضر مدير المخابرات الأميركية ديفيد بترايوس صاحب نظرية إعادة توجيه القاعدة التي كشفها سايمور هيرش عام 2007 وقاد من تركيا غرفة العمليات المركزية وتولى ضباط من جهازه رئاسة غرف العمليات في الأردن وتولى أعوانه الفرنسيون إدارة العمليات من بيروت بينما وظفت السعودية وقطر مليارات لخدمة تلك الحرب إعلاميا ولجلب آلاف أطنان الأسلحة والذخائر وشحنها إلى سورية عبر الحدود من لبنان وتركيا والأردن ودخلت إلى سورية للعمل في قيادة العصابات الإرهابية وفرق المرتزقة جماعات متخصصة من مخابرات تركيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وظهر على الأرض ضباط سعوديون واتراك وإماراتيون وقطريون لم يأتوا للسياحة طبعا وكل ذلك كان يجزم بأن ما يدور هو عدوان استعماري على سورية لكن رواية الأزمة الداخلية ظلت سارية بتصميم من المعتدين لتسويغ التدخلات والضغوط على الدولة الوطنية.

ثانيا اصطدمت جميع المبادرات ومحاولات تحريك حوار سوري جدي بقرار من دول العدوان وباشتراطات مسبقة تم كسرها تدريجيا وفرض التراجع عن معظمها بصمود الشعب والجيش بقيادة الرئيس بشار الأسد دفاعا عن استقلال سورية الوطني ووحدة ترابها وبعدما تلاحقت الاعترافات الدولية والإقليمية بصحة رواية دمشق عن وجود جماعات الإرهاب التكفيري متعدد الجنسيات في سورية وإثر تصاعد المخاوف من خطر ارتداد الإرهابيين إلى الدول المصدرة والراعية في المنطقة والعالم فرضت سورية وحلفاؤها الاعتراف بأولوية محاربة الإرهاب بعد رفض عنيف وتعنت استغرق سنوات الحرب المنقضية إلى أن فرض الانخراط الروسي معادلة دولية قاهرة شرعت تغير في المواقف والتقديرات بقوة الميدان.

بينما استمرت الاتصالات والتحركات المتعلقة بما سمي بالعملية السياسية في سورية ضمن نظرية الأزمة احتفظت الدولة الوطنية السورية بشرط تقطيع أوردة الإرهاب والتدخل الخارجي المتمثلة بإرساليات السلاح والمال والمسلحين عبر الحدود التركية والأردنية وهو ما عطلته ومنعته بصلافة دول العدوان حتى الساعة وكان تجاوب سورية السياسي مع جميع المبادرات أداة فاضحة لحقيقة العدوان الخارجي بينما اشتغلت بجلد وبصمت لإخراج اوسع دائرة ممكنة من السوريين المتورطين في القتال من خلال المصالحات التي نجحت في استرداد الآلاف من مواطنيها الذي ألقى بعضهم السلاح وانضم البعض الآخر إلى صفوف الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني.

ثالثا تظهر حقيقة العدوان الأجنبي ساطعة في مباحثات فيينا الجارية حاليا حول تصنيف الجماعات المسلحة ومن خلال غربلة الواجهات السياسية وتحضير وفدها إلى الحوار السوري فالمعلومات والتقارير الصحافية تتحدث عن ألفي جماعة عسكرية يغلب عليها الإرهاب التكفيري بفصائله الرئيسية المعروفة وحيث يظهر تدخل الدول المعتدية على سورية ساطعا من خلال محاولاتها اليائسة لفرض تصنيف عملائها خارج لوائح المنظمات الإرهابية وحيث يطغى الخليط الأجنبي متعدد الجنسيات على بنية وتركيب القيادات الفعلية لتنظيمات الإرهاب المتعددة ومع وجود فصائل تكشف هويات عناصرها تسمياتها الأجنبية كفصائل الطاجيك والإيغور والشيشان والتركمان وغيرهم .

الأشد فجاجة في مظاهر العدوان الأجنبي هو تدخل دول كالولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر وتركيا في انتداب أسماء معينة إلى وفد المعارضة الذي يفترض ان يشترك في الحوار وهذا يعني بصورة مكشوفة ان هناك شخصيات منسوبة للمعارضة السورية ستمثل مصالح تلك الدول في أي نقاش سوري حول مستقبل البلاد وهي بذلك مفضوحة الهوية والدور كأدوات سياسية للتدخل في مستقبل الدولة السورية وخياراتها الوطنية لصالح الخارج الذي يسعى للحد من إرادة الاستقلال ومن خيار الدولة الوطنية السورية المقاوم على مستوى المنطقة ولا تقف وظيفة هؤلاء لدى مشغليهم ومنتدبيهم عند الاحتفاظ بفرصة الترشح إلى الانتخابات التي ستنبثق عن أي عملية سياسية سورية ما تزال في نظر الدولة الوطنية السورية وحلفائها مشروطة في توقيت انطلاقها العملي بالقضاء على الإرهاب وإعادة بسط سلطة الدولة على التراب الوطني السوري بينما يفتح الباب امام المجموعات الراغبة في الانتقال إلى مقاتلة الإرهاب بالشراكة مع الجيش العربي السوري.

رابعا تبدو صارخة في كواليس فيينا خريطة الجماعات الإرهابية والجماعات السياسية الموزعة على مرجعيات الارتباط بالخارج وليس على تيارات وتلاوين تعكس الواقع السياسي في المجتمع السوري بل من خلال التبعية لدول حلف العدوان أي الولايات المتحدة وحكومات الناتو ( بريطانيا وفرنسا بشكل رئيسي ) وقطر وتركيا والسعودية وهي جميعا أدوات حرب بالوكالة وتدخل ضد الاستقلال الوطني السوري وضد خيار المقاومة والتحرر ورفض الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الذي تعتنقه الدولة الوطنية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد وبمساندة غالبية شعبية سورية تتوسع مع كل يوم جديد يحمل معه المزيد من وقائع التدخلات الأجنبية وحقائق الإرهاب التكفيري ومضمون سلطته اللصوصية وممارساته الدموية في الأنحاء السورية الخارجة عن سلطة الدولة.

هذا الواقع يشمل بقوة تشكيلات الأخوان المسلمين المؤتلفة مع تجمعات اللصوص والمهربين وتجار السلاح والمخدرات ومعها فروع القاعدة وفصائلها التكفيرية الإلغائية بجميع منوعاتها ومسمياتها وحيث تدرك دول العدوان هذه الحقيقة تسعى للتحايل عليها من خلال محاولات فاشلة ومتعثرة لتبييض صفحة بعض الجماعات العميلة لإخراجها من قوائم الإرهاب وهذا يشمل جهودا مركزة من قطر والسعودية وتركيا تتعلق ببعض الفصائل تعويضا عن إخفاق محاولات تسويق “اعتدال” جبهة النصرة فرع القاعدة الرسمي.

خامسا منذ البداية كان واضحا ان ما يدور هو عدوان استعماري عبر حرب بالوكالة جند فيها آلاف السوريين وحشد لها عشرات آلاف الإرهابيين من ثمانين بلدا في العالم وفقا لخطط رسمت في البنتاغون لصالح إسرائيل ولخدمة سعيها إلى النيل من سورية والانتقام من دورها المركزي في محور المقاومة الذي غير البيئة الإقليمية وأنهى زمن التحكم الإسرائيلي بمعادلات القوة لكن العديد من الإعلاميين والكتاب استغرقوا وقتا طويلا ليفهموا هذه الحقيقة ويعترفوا بها دون المجاهرة بنقد ذاتي او تراجع عن الخطأ ومن غير الاعتراف الصريح بأنهم وقعوا ضحايا الصورة الافتراضية التي سوقتها آلة إعلامية ضخمة عن ثورة مزعومة ليس مآلها الراهن منفصلا عن جذورها الأخوانية التي هي منبت الإرهاب والتكفير في العالم كما تبين التجربة وهي أس التبعية للغرب الاستعماري والتآمر لصالحه منذ نشأة هذا التنظيم الذي ما خرج يوما عن طاعة الغرب ومخابراته ومخططاته والأدلة لا تعد ولا تحصى في جميع البلدان العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى