الحكيم يواجه الحريري بفائض قوة سعودي ابراهيم ناصرالدين
«التهويل» خلال الايام الماضية بعودة الصراع المسيحي- الاسلامي على خلفية ميثاقية جلسات التشريع، ليس الا كلاما للاستهلاك المحلي، فلا الاحزاب المسيحية تجاوزت تناقضاتها، ولا اتفقت على قانون انتخابي موحد، ولا تبنت رئيسا يرفضه المسلمون، ولا هي تخوض حربا في مواجهة احزاب اسلامية تجمعها استراتيجية اضطهاد المسيحيين، فكلا المعسكرين يحتفظ باجندته الداخلية والاقليمية الخاصة، لكن هذا لا يمنع من خوض «معارك» جانبية لن تفضي الى شيء، لانها لا تخاض لاسترجاع حقوق المسيحيين، وانما لاهداف أخرى.
موقف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من الازمة الراهنة يختصر المشهد، وبحسب اوساط بارزة في 8 آذار، فهو لا يعيش «عقدة نقص» مسيحية، «مرتاح» مع نفسه، ويعيش «سلاما» داخليا، مشروعه السياسي في المنطقة يتقدم، صديقه في سوريا بشار الاسد في افضل احواله، لا رغبة لديه في منافسة احد على جمهوره، مقتنع بحدود «زعامته» الجغرافية والديموغرافية، لا يرى نفسه جزءا من معركة «تناتش» الجمهور المسيحي، لا يتسامح مع اي محاولة لاضعاف دور المسيحيين، لكنه ايضا لا يخوض معارك «طواحين هواء. وضوح الرؤية لديه، وتصالحه مع قناعاته الداخلية والاقليمية، يمنحانه الكثير من «الاطمئنان» والهدوء في التعامل مع «الخصوم» وكذلك مع بعض «الحلفاء» المسيحيين الذين يعتبرونه «خطرا» داهما على حظوظ عون الرئاسية، هؤلاء تحركهم الغرائز والانانية وحب «الذات»، صحيح ان لا «اخلاق» في السياسة، لكن الصحيح ايضا ان فرنجية قدم نموذجا مغايرا عن السياسي الذي لا «يطعن» في الظهر، هو ليس منافسا رئاسيا «للجنرال»، بل هو المرشح الطبيعي عند انتفاء حظوظ عون الرئاسية. ولذلك فان موقف فرنجية ليس «مغامرة» وليس «مؤامرة»، يدرك جيدا حدود «اللعبة» الداخلية وسقفها، ويعرف جيدا ان «طبخ» الانتخابات الرئاسية لم يعد في «المطبخ» اللبناني بل اصبح «وجبة» اقليمية ودولية لم يحن بعد تقديمها على «الطاولة»، ولذلك هو يفضل عدم اختراع ازمات غير مجدية، لن تؤدي الى حماية او استرجاع «حقوق» المسيحيين، في وضع اقليمي ودولي شديد الخطورة.
بالنسبة الى الجنرال ميشال عون، فان «فزاعة» التحالف الرباعي لم تعد قابلة للتسويق عنده، تقول الاوساط، وضوحه في التأكيد على متانة العلاقة مع حزب الله، كانت قطعا للطريق امام خصومه «المصطادين في الماء العكر»، وبعض «المغالين» في التطرف داخل «التيار الوطني» الحر، و«الحالمين» بتقارب مع القوات اللبنانية يمهد الى تقليل تدريجي من الالتصاق بحزب الله، ثمة فرق كبير بين التحالف الاستراتيجي مع المقاومة والتحالف «الموضعي التكتيكي» مع «القوات»، يدرك «الجنرال» بخبرته الطويلة ان اي مواجهة تعيد المسيحيين الى التقوقع والانعزال تعني «مقتلة» سياسية تزيد من تدهور وضعهم في البلاد، يعرف جيدا انه وجد شريكا مسلما موثوقا به يخوض معه المعارك الوجودية والجدية، ولن يتخلى عنه. كذلك يدرك حجم «الاحراج» القائم لدى الحزب ازاء المواجهة السياسية المفتوحة بين الرابية وعين التينة، يفهم جيدا ان ثمة خطوطاً مرسومة لا يستطيع حزب الله تجاوزها مع الرئيس نبيه بري، ولكنه يعرف ايضا ان حليفه قادر في الكثير من الاحيان على ضبط ايقاع الاختلافات دون ضجيج. وفي الخلاصة ثمة تنظيم دقيق وناجح بين «الجنرال» «والسيد» حول القضايا الداخلية الخلافية، الرجلان وصلا الى مرحلة من التفاهم العميق حول اهمية هذه العلاقة القادرة على تجاوز اي «مطبات» هامشية. لكن عون لديه معاركه المسيحية الجانبية لا يستطيع تجنبها «ظل» سمير يلاحقه وعليه دائما ان يسبقه «بخطوة»، وهذا لا يفسد في الود قضية» مع الحزب.
في المقابل، «يعيش» حزب الكتائب «عقدة» القوات اللبنانية، تؤكد الاوساط، يبحث لنفسه عن مكان في «الخارطة» المسيحية ويتنافس مع «صديقه اللدود» على الشارع نفسه، ولذلك يجد الشيخ سامي الجميل نفسه مضطرا في كل مرة الى الذهاب بعيدا في رفع سقف مواقفه على الرغم من ادراكه انه يخوض في اغلب الاحيان معارك خاسرة لن تفضي الى اي نتائج ملموسة، يفعل غاليا «عكس» ما تفعله «القوات»، ويحاول استثمار استراتيجية «الحكيم» للمعارضة من خارج منظومة السلطة التنفيذية، لم تشفع للكتائب تغطية حليفه تيار المستقبل في اكثر من مناسبة، تبين له ان حليفه «الازرق» لا يقدم على مصالحه اي شيء آخر، هو مطالب دائما بتقديم الغطاء المسيحي «لمغامرات» «المستقبل»، وعندما يبادر الى خوض معاركه الخاصة لا يجد من يقف الى جانبه، مؤخرا لم ينتبه الرئيس فؤاد السنيورة ان الجلسة الجانبية التي عقدت على «هامش» طاولة الحوار ينقصها الحليف المسيحي، برر لاحقا بانه تقصد الامر وكان يريد «تعبيد الطريق» امام الكتائب لاجهاض تسوية التعيينات العسكرية، لكن «فتى» الكتائب ليس ساذجا، وليس من النوع الذي يهرب من المواجهة، ولا يحتاج الى من يعفيه منها، فهم «الرسالة» ويعمل وفقا لهذا المفهوم، ولم يعد لديه من مفر غير خوض معاركه الجانبية لمواجهة «معراب» بحثا عن دور.
في المقابل تخوض القوات اللبنانية اكثر من تحد مع حلفائها وخصومها في آن واحد، تضيف الاوساط، الصراع «الازلي» مع الكتائب مستمر، وتنظيم الخلافات مع التيار الوطني الحر عبر وثيقة «اعلان النوايا»، لا تنهي «الكباش» المنطقي بين حزبين يدعي كل منهما انه الممثل الشرعي لهذه المجموعة من المسيحيين في لبنان، ولذلك فان مقتضيات هذه المواجهات المفتوحة تحتم على «الحكيم» التشدد مسيحيا، بعد ان خرج من «المولد بلا حمص» من التسويات السياسية الاخيرة التي سمحت بانتظام الاستقرار «الهش» في البلاد. لكن ثمة مواجهة جانبية يخوضها مع تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، انتقده بشكل علني ونادر واجرى مقارنة بين مواقفه ومواقف والده من «العيش المشترك». هذا الكلام اثار الكثير من الاستياء لدى قيادة «التيار الازرق» لكن له ما يبرره في «معراب»، وهو خلاصة تجربة مريرة افضت الى تهميش «القوات» كان «لحكيم» يعترض وتنتهي الامور بخطاب مستقبلي يخلص الى تفهم موقفه دون الاخذ «بوصفاته»، والمضي قدما بما تراه «القيادة الزرقاء» مفيدا لمصالحها السياسية، دون الاكتراث لخسائر حليفها.
هذه المرة ايضا ثمة «خذلان» لم يعد بالمقدور تحمله، الرئيس فؤاد السنيورة «بالوكالة» عن الرئيس سعد الحريري رمى «الكرة» في «الملعب المسيحي»، بحسب الاوساط، عندما رفض تبني مقاطعة الجلسة التشريعية لاسباب ميثاقية، ودعا «الحكيم» الى افراغها من الحضور المسيحي عبر اقناع عون بعدم حضورها، وبعدها لكل حادث حديث، لكن المفاجأة كانت عندما تنصل السنيورة من «التفاهم» واصر على حضور الجلسة على الرغم من وعده بالضغط على الرئيس بري لتأجيلها بعد حصول مقاطعة من قبل ثلاث كتل مسيحية رئيسية، اما الحريري «فغاب عن السمع»…
وبحسب تلك الاوساط، جعجع يشعر بفائض قوة سعودي في تعامله مع الحريري، فهو يدرك ان الاخير لم يستطع حتى الان تجاوز «فيتوات» بعض الامراء الذي يقفلون عليه «الابواب» السياسية والمالية، بينما يتمتع هو بمعاملة «تفضيلية»، مؤسساته «ماشي حالها» الجميع يقبض رواتبه في نهاية الشهر، بينما تعيش مؤسسات الحريري في وضع يقترب الى حد «الافلاس»، وهو يدرك انه عندما يرفع «الصوت» في وجه رئيس تيار المستقبل، ثمة من «تطرب اذنه» في المملكة، لذلك لا ضير من ارضاء البعض هناك في خلاف يبقى تحت سقف «المناكفات» المحلية المضبوطة على «ساعة» الالتزام بمواجهة «المشروع « الايراني في لبنان والمنطقة، وفي هذا السياق يشعر «الحكيم» بالزهو هذه الايام بعد ان عادت المملكة الى تبني «نظريته» الشهيرة «ليحكم الاخوان»، وهو يعزز وضعه ضمن فريق العمل الذي سيتولى خوض المواجهة الجديدة مع طهران بالتعاون مع «الاخوان المسلمين»…
(الديار)