لا تنخدعوا بالكلام الأميركي
غالب قنديل
لا تهدأ إدارة اوباما في جميع ميادين الحروب والنزاعات التي أشعلتها الإمبراطورية الأميركية في العالم منذ بداية القرن الجديد ورغم الهزائم المتلاحقة وحالة الفشل التي تمنى بها الخطط الأميركية في كل مكان إلا أن البشرية ما زالت تدفع غاليا ثمن الصلافة الأميركية والتصميم الأميركي على محاولة إنقاذ نظام الهيمنة الأحادية على العالم الذي نخرته التحولات المتراكمة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في أربع جهات المعمورة. نكل أوباما بتعهداته حول إنهاء الحروب الفاشلة وبعدم التدخل العسكري في أي بقعة جديدة من العالم فهو أعاد الوجود العسكري الأميركي إلى العراق تحت ستار محاربة داعش ويتدخل عسكريا في سورية لقيادة حرب بواسطة الإرهاب ضد دولة وطنية مستقلة وصعد مؤخرا من هذا التدخل بإرسال قوة اميركية بذريعته الكاذبة أي محاربة داعش بينما مدد وجود قوات أميركية في أفغانتسان خلافا لتعهداته السابقة ويبدو ان إدارته تمهد الطريق لتدخلات واسعة في بحر الصين وفي أفريقيا.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية شنت الولايات المتحدة حروبها الكبرى وأقامت منظومات العقوبات والحصار ضد خصومها وهي تتغنى بالاستقرار والسلام والتعاون وحتى وكالاتها المنشأة تحت عناوين التنمية والسلام هي أدوات هيمنة لتجنيد الجواسيس ولاختراق الحكومات والحركات المناوئة والمتمردة في إدارة انتهاك منتظم لسيادة الدول والشعوب وجميع الخضات والحروب التي تعيشها مناطق واسعة من العالم وفي جميع القارات تشهد للولايات المتحدة وحكوماتها المتعاقبة بإثارة القلاقل ورعاية حكومات استبدادية وجماعات إرهابية للقتل الجماعي المنظم هكذا حصل في الهند الصينية وفي جنوب شرق آسيا واميركا اللاتينية وأفريقيا وفي الشرق العربي والشرق الأقصى .
اليوم تقف الولايات المتحدة خلف توحش غول الإرهاب التكفيري الذي تزعم قيادة حلف عالمي للقضاء عليه وهي في الواقع تستخدمه في ليبيا ومصر واليمن وسورية والعراق وتسعى لإعادة توجيه منظمات الإرهاب نحو بلدان أخرى بمعونة شركائها في صنع الإرهاب والتطرف من حكومات الخليج والتنظيم العالمي للأخوان المسلمين وحكومة العدالة والتنمية في تركيا وفي الوقت عينه وبينما تواصل واشنطن ثرثرتها البائسة عن السلام في المنطقة تغدق دعمها المالي والعسكري على كيان الجريمة المنظمة إسرائيل في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية التي تجددت رغم خنوع القيادات الفلسطينية وترويضها بقوة المال الخليجي والرعاية التركية.
الهيمنة الأحادية تكاد تصبح من الماضي اقتصاديا وماليا وتجاريا مع تمركز موارد الثروة الكبرى في شرق الكرة الأرضية وبظهور حكومات دول كبرى متحررة من نير التبعية الأميركي ورغم ذلك تستمر الولايات المتحدة في سعيها السياسي والعسكري لمنع صعود المنافسين بالحروب والمؤامرات وباستعمال الإرهاب التكفيري وتنظيم الأخوان كقوة احتياطية لحروب غير مباشرة في سعيها لتثبيت مواقعها في آسيا وأفريقيا .
الولايات المتحدة هي مركز دولي لتجارة المخدرات والسلاح غير المشروعة في العالم وهي مركز تبييض الأموال الأول في العالم حسب التقارير والمعلومات المصرفية وهي تملي على الدول الأخرى إجراءات وقيودا مصرفية مشددة تحت عنوان مكافحة التجارة غير المشروعة وغسيل الأموال بينما في العاصمة الأميركية ومدن الولايات المتحدة الكبرى تتمركز قيادات الجريمة المنظمة في العالم وتحتكر تلك الدولة لنفسها حق غسيل أموال المافيات الدولية الكبرى دون مساءلة وضخها في المصارف الأميركية إلى جانب عائدات صفقات السلاح الضخمة للحكومات التابعة التي يورطها الأميركيون في حروبهم والمثال السعودي في اليمن صارخ وساطع بأرقامه الخيالية المتعاظمة خلال أشهر معدودة.
بحر الصين ساحة حرب جديدة دشنها أمس وزير الحرب الأميركي بجولة استخدمها للتصعيد السياسي ضد روسيا وبالمفردات النووية بصورة تقطع الشك باليقين حول حقيقة السلوك الأميركي الذي لا يوحي بما يتخيله البعض تسليما بالتعددية القطبية المستجدة في العالم المعاصر حيث تصعيد التواجد العسكري في اوروبا الشرقية والغربية ضمن إطار الناتو ومشروع الدرع الصاروخي والحشد السياسي والعسكري ضد الصين والتحريض لمواصلة العقوبات الهادفة إلى محاصرة روسيا ليست مؤشرات على الخضوع للتوازنات بل هي بوادر حرب باردة مستمرة ضد الجبارين المنافسين.
يترتب على ما تقدم اعتبار لقاءات فيينا حول سورية ميدانا للصراع العالمي المستعر وليس نطاقا لتظهير تسوية متخيلة يفترض البعض انها منجزة وتنتظر الإعلان والتكريس فهذه اللقاءات جاءت نتيجة جهد روسي إيراني سوري مباشر وفي حصيلة تعديل لتوازن القوى الميداني والسياسي في سورية والمنطقة والعالم لكن الولايات المتحدة باقية على مواقفها التي تعرقل التقدم نحو تصفية العصابات الإرهابية من خلال تصميمها على احتضان جماعات من المرتزقة والتكفيريين والأخوان تحت شعار المعارضة المتعدلة وكذلك تمنع الولايات المتحدة أي خطوة جدية تغلق المسارب الحدودية المكرسة لتهريب الأموال والسلاح والعناصر الإرهابية نحو الداخل السوري وتتولى تركيا والسعودية الحكومتان الأقرب إلى واشنطن في المنطقة متابعة هذه العملية والغاية الأميركية هي لي ذراع الدولة الوطنية السورية والحد من استقلالها الوطني بشروط وإملاءات سياسية واقتصادية .
إنجاز تغيير جذري في موازين القوى هو السبيل لردع العربدة وللتخلص من النفاق الأميركي ولذلك سيبقى صمود الشعب وتفاني الجيش في الدفاع عن سورية وتقدمه لتحرير جميع الأراضي السورية هو السبيل لفرض التحولات التي تقطع الطريق على لعبة المناورة والابتزاز القائمة في كواليس اللقاءات والمؤتمرات .