قَدَرُ معادلات الأسد وعون
ناصر قنديل
– قدّم مؤتمر فيينا الخاص بسورية مجموعة من العناصر التي يتوقف أمامها الباحثون والدارسون لمسارات المنطقة وتوقعاتها، وفي مقدّمتها أنّ العجز الغربي الإقليمي عن تحقيق نصر عسكري في سورية مباشرة أو بالواسطة يضع مقدّرات الدولة السورية بيد موالين للخيار الذي تتزعّمه واشنطن صار الحديث عن تنحّي الرئيس السوري بشار الأسد، ربطاً لمستقبل سورية بقَدَر هو الرئيس الأسد ومدى استجابته لهذه الدعوات وصارت مواصلة التحدّث عن هذا الشرط إصراراً على ترك الحرب تستمرّ وتستقطب المزيد من المتطرفين من العالم، وترفع نسبة التوتر في الجمهور المتديّن في الغرب لمصلحة تشكيل مدارس للتطوّع ورفد الحرب بسورية بالمزيد، ولكن ليس لجعل ساعة رحيل الأسد أقرب، بل لجعل الخطر الذي يطال مستقبل الغرب وأمنه عبر المزيد من اللاجئين المتدفقين ينسفون استقرار الديمغرافيا والمزيد من الإرهابيين العائدين للإمساك بالجغرافيا.
– في فيينا ترجم الغرب وعلى رأسه واشنطن هذه المعادلة في فهم تطوّرات الحرب على سورية، خصوصاً الفرصة المتعبة، لكن الوحيدة، التي يقدمها الدور الروسي لإعادة بناء دولة سورية على أنقاض الخراب الذي تسبّبت به رهانات واشنطن وحلفائها، فتجاوز بيان فيينا الحديث عن تنحّي الرئيس السوري، وتولى الأميركي إسكات حلفائه وإقناعهم أن لا بديل من التعاون مع الدولة السورية ورئيسها لإنهاء المخاطر المترتّبة على بقاء حرب الاستنزاف السورية جرحاً مفتوحاً. وهو يدرك أنّ الجرح سيُغلق وينتهي الاستنزاف، سواء شارك بالتغطية السياسية لمرحلة ما بعد الحضور الروسي أم وقف على ضفة الرهان الأحمق التي يمثلها تزويد الإرهابيين بالسلاح والمال وما يقدّمه الحضور الروسي من فرصة أخيرة بتعاون جيوش مقاتلة تحمل كلفة الدم التي تترتب على الحرب مع الإرهاب لا وجود لمثيلاتها في حلف واشنطن وقدرة نارية تعادل القوة الأميركية تقدّمها روسيا، وماذا تعني هزيمة هذا التعاون من تجذّر للإرهاب وتمثيله التحدي الذي لن يكون سهلاً التفكير بقدرة صدّه عن دق أبواب أوروبا؟
– قدّمت تجربة فيينا مثالاً عن تموضع أميركي جديد، يتضاءل رهان الحرب فيه لحساب تغيير وجهتها وحجز مقعد في قطار النصر يشبه المقعد في قطار النصر على النازية الذي حجزه إنزال النورماندي لملاقاة الروس في برلين. وهذا الرهان دونه غياب القوة البرية القادرة على القيام به، فيصير الرهان البديل هو ملاقاة النصر بالتغطية السياسية وحجز المقعد في العملية التي تليه عبر تصدير شعار الانتخابات الرئاسية والنيابية لشعار تنحّي الرئيس. ومشكلة هذا الرهان أنه يمرّ بتحديد نوع من التدخل الخارجي في الانتخابات من باب الرقابة التي ستمنح المصداقية للانتخابات ونتائجها. وهذا الحجم يحتاج موافقة الرئيس السوري وتشكيل هيئة إشراف محلية على الانتخابات بحصيلة أي تسوية بين الحكومة والمعارضة ويجب كي تولد أن تحظى بموافقة الرئيس، وربما تصنيع منافس رئاسي لن يكون ممكناً من دون منحه رصيداً يؤهّله للمنافسة. وهو ما قد لا يُتاح إلا عبر اختيار شخصية غير متموضعة في جسم المعارضة والسعي لتسليمها رئاسة حكومة التسوية لتصير رمزاً للسلام والإعمار والمصالحات وفك العقوبات، لكن رئيس الحكومة تحتاج تسميته إلى قبول وموافقة الرئيس السوري.
– مثلما يبدو الرئيس السوري قدراً للأميركيين وحلفائهم، يبدو العماد ميشال عون كذلك، فقد نقلت مصادر مطلعة عن وفود المشاركين في فيينا مضمون مداخلة وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل وما لقيه من ارتياح روسي سوري إيراني لأداء باسيل في زمن التجاذبات. يحدث هذا وبحضور الغرب كله والخليج كله، وحسب الكلام تدعيماً للطرح الروسي الإيراني بوضوح، ما يعني أنه كلما تغيّرت الأمور أكثر باتجاه المزيد من الإنجازات السورية السياسية والعسكرية، كما تقول التوقعات، فسيكون للعماد عون وتياره المزيد من الدعم والتقدير من دون أن يكون هذا من جانب القوى الإقليمية والدولية التي تمثلها روسيا وإيران ترشيحاً للعماد عون أو تدخلاً رئاسياً مباشراً، لكن لن يكون هناك فرص للتساهل في جعله يدفع ثمن أيّ تسويات، ولا يمكن توقع أن يكون وضعه موضع مساومة أو عرضة للضغوط، ما يعني عملياً تعزيز استقلاليته على الأقلّ من دون أن يصير مرشح محور معيّن، ولكن من دون أن يكون على طاولة مفاوضات تؤدّي إلى تخلي هذا المحور عنه بداعي أولوية الرئاسة، فالأولوية هي لحماية مكانته. وهذا يضع الأمور ضمن إطار إما التفاهم مع عون أو لا فرص تسويات تتصل بالرئاسة اللبنانية، وحدود التسوية شيئاً فشيئاً سيرسمها قبول عون وليس ما يتوقعه خصومه من الضغوط من حلفائه وحلفاء حلفائه، كما يقول مصدر ذو صلة بالمفاوضات الإقليمية التي يتأخر ضمنها التلاقي السعودي والإيراني وفي حال حدوثه ستكون الأولويات الخليجية أهمّ بكثير للحكومتين وأشدّ تعقيداً من أن تترك مجالاً للبنان.
– هناك خيار واحد للمجيء برئيس للبنان قبل الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة بعد سنتين من الآن، هو انتخاب العماد عون رئيساً أو التفاهم معه على رئيس وبعد ما تحمله الانتخابات الرئاسية السورية التي لا يبدو أنها ستحمل مفاجآت، رغم كلّ ما يعدّه لها خصوم سورية، ربما يصير وضع العماد عون أفضل ويصبح هناك طرف إقليمي استعاد فاعليته في الملف اللبناني هو سورية، ويقول «العماد عون أو لا أحد».
(البناء)