السعودية تسلّم عدن لـ«القاعدة» عامر نعيم الياس
وسعّت «القاعدة» انتشارها في عدن كبرى مدن جنوب اليمن، بعد ثلاثة أشهرٍ ونصف الشهر من المواجهات بين الجيش اليمني وجماعة «أنصار الله» من جهة، وقوات الرئيس المخلوع هادي وتنظيم «القاعدة» وقوات الحراك الجنوبي مدعومين بغطاء جوّي ممثلاً بالعدوان السعودي ـ الإماراتي على اليمن، والذي سقط ضحيّته الآلاف من الأبرياء.
التقارير الواردة من اليمن تقول إن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، وهو أقوى فروع تنظيم «القاعدة» الذي أسسه السعودي أسامة بن لادن، رمى بكلّ ثقله في عاصمة اليمن الجنوبي، وبدأ بفرض الشريعة على اليمنيين هناك. فراية التنظيم السوداء ترفرف فوق مديرية شرطة التواهي، أحد أحياء العاصمة اليمنية، كما تمدّد التنظيم في مديرية خور مكسر الواقعة شمال شرق العاصمة، وفي بريقة.
ونقلت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن مها عوض مديرة إحدى المنظمات النسائية غير الحكومية قولها، إن «أفراد القاعدة يهدّدون ويقتلون ولا أحد يتحرك»، فهل تبدأ معركة عدن الثانية؟ وهل نحن أمام حربٍ للسيطرة والنفوذ في اليمن الجنوبي بين حلفاء الأمس القريب تحت الراية السعودية؟
أوقعت السعودية نفسها في المستنقع اليمني. فالسيطرة على شمال اليمن، أحد الأهداف الرئيسة لهذا العدوان، باتت حلماً من الماضي وتوازن القوى لا يسمح للمملكة الطائشة بالتقدم في الشمال حيث مقبرة الغزاة تاريخياً. وقد نجح الحوثيون إلى جانب الجيش اليمني في تحويل الحرب في الشمال إلى حرب استنزاف داخل الأراضي السعودية. في وقت توّرطت السعودية في الجنوب. والمثال الواضح اليوم عدن التي تسمى «العاصمة الموقتة»، حيث إمكانية تظهير نموذج للحكم يعكس السيطرة الكاملة للسعودية على جزء من القرار اليمني تبدو بمثابة أضغاث أحلام. ففي اليمن اليوم، وتحديداً في الجنوب، نحن أمام ثلاث قوى وهي: أنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي المرتبطون وجودياً بالسعودية، والحراك الجنوبي الذي يملك أجندة لاستقلال اليمن الجنوبي، وتنظيم «القاعدة» الذي يعدّ القوة الضاربة في التحالف السعودي للعدوان على اليمن، والذي قاد بشكلٍ رئيس العمليات على الأرض في الجنوب، لكنه انقلب على حلفاء الأمس وحشرهم في الزاوية.
وعند هذه النقطة يتّضح قُصر النظر السعودي واعتماد الحقد والمصالح قصيرة النظر لتوجيه السياسات في الإقليم عموماً واليمن خصوصاً، فـ«القاعدة» تاريخياً لا تركن إلى تحالف مع قوى لا تتبنى برنامجها ونظريتها، وعندما تحين اللحظة المناسبة تنقلب على شركائها في المعركة. لكن السعودي لا يرى أبعد من أنفه، فهو يريد فقط محاربة «أنصار الله» وتحيقيق تقدّم مرحليّ على جثث اليمنيين ليس إلا، هذا أولاً. وثانياً تدرك السعودية أنها غير قادرة على التورط برّياً في حرب مع تنظيم «القاعدة» لأسباب عقائدية بالدرجة الأولى، وأسباب داخلية سعودية وحتى خليجية بحتة تتعلق بالتعاطف مع هذا التنظيم في ظل حالة الاستقطاب الطائفي التي تشكّل الستارة الأبرز للحروب السعودية في المنطقة من سورية إلى اليمن مروراً بالعراق، وهذا ما تؤكده «لوموند» الفرنسية التي قالت: «العسكريون السعوديون والإماراتيون الذين شاركوا بشكلٍ مباشر في قتال الحوثيين، انسحبوا إلى قواعدهم في الميناء والمطار، وهم غير موجودين في الشوارع».
إن الإشارة إلى معركة عدن الثانية لا تخرج عن سياق التمنيات. وتعي المملكة الحاقدة حجم الاستنزاف الذي من الممكن ان تتعرض له في انقلبت على «القاعدة» التي تشكّل القوة الضاربة في عدوانها الطائش على اليمن، وهي بهذه المعركة تُدخل الجنوب في لعبة تفتيت لن تقدّم لها أيّ إنجاز استراتيجي، فالعودة إلى حكم هادي، لا مرتكزات له على الأرض وحجمه في الميدان في أفضل الأحوال لا يمكن أن يتعدى حجم حكومة كابول في أفغانستان إن استطاعت المملكة تأمين هذا الأمر، وهي لن تستطيع.
البحث عن المخارج يصبح يوماً بعد يوم ملزماً للسعوديين، وكلما مضى الوقت تقلّصت المكاسب السياسية للمملكة التي تخسر أوراق نفوذها عكس ما يعتقد البعض ويراهنون.
(البناء)