أردوغان والفوضى: الاستثمار الرابح عامر نعيم الياس
قلب الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» الطاولة على رأس كلّ من راهن على خسارته الانتخابات المصيرية التي أجريت في الأول من تشرين الثاني الجاري، انتقاماً لنتائج انتخابات حزيران الماضي. عاد الرجل إلى المشهد بقوة بأصوات نصف الناخبين الأتراك محققاً نسبة 50 في المئة من مجمل أصوات الناخبين، وسط كثافة في المشاركة وارتفاع في نسبتها بمقدار 3 في المئة، ما يؤشر بشكل أو بآخر إلى توجهات المجتمع التركي الإسلامية المحافظة وبمعنى آخر الإخوانية.
تسع نقاط كاملة رفعت مقاعد حزب «العدالة والتنمية» في البرلمان التركي من 276 إلى 316 مقعداً، تؤهل الحزب الإسلامي للعودة إلى الحكم منفرداً، فيما تتقلص المسافة التشريعية الفاصلة لتحقيق حلم أردوغان بنقل البلاد إلى نظام رئاسي إلى 14 مقعداً، فالرجل يحتاج إلى أن يكون ممثلاً في البرلمان بـ330 مقعداً ليطرح التعديلات الدستورية على الاستقاء الشعبي. لكن، وكما اتضح خلال الأشهر الماضية، فإن الرجل يحكم بقوة الأمر الواقع وسنوات 13 قضاها وحزبه في الحكم، كانت كافية لتحجيم مؤسسات الدولة ومراكز القوى وتقليص نفوذها بدءاً من الجيش وليس انتهاءً بالمؤسسات التعليمية والقضاء والإعلام. هذا الأمر الواقع مدعوماً بفوز عريض يدفع الجميع إلى الاعتراف بسلطة سلطان وهم الحكم العثماني الذي راهن على الفوضى وكسب، وراهن على الحرب وانتصر في الانتخابات، وراهن على الاستقطاب فتبعه نصف الشعب التركي، فيما المعارضة ـ ما عدا حزب الشعب الجمهوري حصل على 25.4 في المئة من الأصوات وحافظ على مقاعده في البرلمان ـ تعرّضت لخسائر كبيرة وعلى رأسها «الحركة القومية» التي كانت أكبر الخاسرين بتراجع عدد مقاعدها إلى النصف تقريباً، بعدما حصل على نسبة 12 في المئة من الأصوات مقارنةً بـ16 في المئة في انتخابات حزيران، هذا التراجع صبّ في مجمله تقريباً في جعبة أردوغان.
الأكراد ممثلين بحزب «الشعوب الديمقراطي» حققوا المفاجأة وحافظوا على وجودهم في البرلمان باعتبارهم مكوناً سياسياً لا يمكن تغييبه عن الحياة السياسية الرسمية في تركيا بحصولهم على 10.5 في المئة، لكن هم أيضاً خسروا جزءاً من الشريحة الداعمة لهم في ضوء الحرب التي شنّها حزب «العدالة والتتمية» على حزب «العمال الكردستاني» ضارباً عرض الحائط بفترة الهدوء والسلام التي ميّزت العلاقة الكردية ـ التركية خلال السنوات الخمس الماضية، ومن الواضح أن «العدالة والتنمية» برهانه على عودة الحرب الدموية مع الأكراد، دفع جزءاً من الشعب التركي للتصويت لمصلحة بقاء حزبه لضمان الاستقرار، كما دفع شريحةً من الأكراد، الذين شكلوا قاعدة الحزب التاريخية في المناطق الكردية، إلى التراجع عن الرهان على المكوّن الكردي الصرف في الخيارات السياسية، ودعم حزب «العدالة والتنمية» أملاً بعودة الهدوء إلى المناطق الكردية، وهذا ما يفسّر بخطاب أردوغان قبيل الانتخابات والذي كان بمثابة تهديد مبطّن لكل من يراهن على خسارته مجدداً، فقد قال «هذه الانتخابات استمرار للأمن والاستقرار، لذا آمل أن ينتصر الأمن والاستقرار والوحدة».
راهن الرئيس التركي على الاستقطاب الذي صنعه وحزبه سواء على الصعيد الداخلي أوعلى الصعيد الخارجي، راهن على حربٍ على الإرهاب تحت ستارة «داعش» تشمل الأكراد ونجح. راهن على العامل الاقتصادي باعتباره الضامن للاستقرار ونجح، وهو بفوزه يتوقع أن يكون أكثر تمسكاً بثوابت سياسته الإقليمية والدولية، خصوصاً في الملف السوري، لكن من دون أن يعني ذلك حصول تغييرات دراماتيكية في المشهد السوري. فالرجل الذي يقود عملية تدمير سورية هو ذاته منذ عام 2011. وهو اليوم، وإن سيستمر في الحكم لأربع سنوات إضافية وسيشكّل الحكومة منفرداً، إلا أن الأوراق التي يملكها في الداخل السوري تتقلص، والعامل الروسي الناشئ والذي قلب الطاولة على واشنطن والرياض وأنقرة في الداخل السوري، ليس عاملاً موقتاً، أو معطىً ترتبط مفاعيله بنتائج الانتخابات التركية، فالرهان على خسارة أردوغان لرهانه الانتخابي ووجود معارضة برلمانية قوية تغيّر وجه وسياسات تركيا لم يكن موفقاً، وبالتالي نحن أمام رجلٍ يجيد لعبة تجيير الفوضى والحرب لمصلحته، ويتوقع أن يستمر في المناكفة سورياً وإقليمياً في ضوء تكريس الفوضى واللااستقرار له زعيماً لتركيا حتى عام 2019.
(البناء)