مقالات مختارة

لماذا على المستقبل القلق من «انتصار» السعودية في سوريا؟ ابراهيم ناصرالدين

 

وزير العدل اشرف ريفي «يتسلى» في بيروت بتصريحات من نوع تأكيد حصول انتخابات رئاسية في الاشهر المقبلة، وفيما يشبه «الرؤية» على طريقة ليلى عبد اللطيف، لا يراه منتميا الى «المعسكر» الايراني- السوري. كلامه يشبه تصريحات وزير الخارجية السعودية عادل الجبير الذي قال قبيل دخوله الى اجتماع فيينا انه جاء لبحث «الحل السياسي في سوريا ومناقشة خطط خروج بشار الأسد بشكل عسكري أو سياسي». طبعا التبس الامر على الجبير الذي ظن انه يدخل الى اجتماع مع موظفين لديه في الخارجية، كما التبس الامر على الوزير ريفي، الذي ما يزال يعتقد ان تياره السياسي يملك «اليد الطولى» في تحديد مواصفات الرئيس المقبل، مع العلم انه سواء انتصر خياره في سوريا، او خسر، فان فريقه السياسي سيدفع الثمن في بيروت، فما هي المعطيات؟

بحسب اوساط دبلوماسية مطلعة فان ما حصل في فيينا هو إطلاق عملية سياسية ضمن مرحلة انتقالية في سوريا مع إبلاغ موسكو وطهران الجميع ان الوصول إلى مرحلة التعاطي السياسي سيبدأ بعد الحسم العسكري ضد الارهاب، بعد ذلك سيتم توفير الظروف الملائمة لإطلاق عملية سياسية ضمن مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات عامة ثم رئاسية على ان يبقى الرئيس الأسد خلال المرحلة الانتقالية ويتقرر لاحقا وضمن توافقات إقليمية ودولية مصير ترشيحه من عدمه للانتخابات الرئاسية. هذا يعني ان احدا لم يكترث لتصريحات الجبير غير الواقعية، ومصير الاسد خارج النقاش.

في هذا الوقت عادت الخلافات مجددا الى معسكر حلفاء واشنطن تضيف الاوساط، وظهر جليا ان قطر وتركيا تريدان عند الوصول الى مرحلة الانتخابات ايصال تيار «الإخوان المسلمين» بشكل وازن الى السلطة، الرياض، وبضغط خليجي كبير تقوده الامارات، لا تريد ان تتكرر التجربة المصرية في سوريا، رغم انها لا تمانع مرحليا حصول هذا الامر للتخلص في مرحلة اولى من النظام الحالي، ولكن عدم رغبتها في نقل الخلافات الى «البيت الخليجي» يدفعها الى تشجيع وصول تيارات اسلامية سلفية، ويجري في هذا السياق «تلميع» صورة بعض المجموعات المسلحة. لكن هذا الامر اصطدم بتصنيف واشنطن لهؤلاء بانهم جزء من «السلفية الجهادية»اي تنظيمات ارهابية.

طبعا القاهرة لم تقبل بالمطلق اي تسوية تجعل من «الاخوان» ضمن دائرة القرار في سوريا الجديدة، هذا يجعل من الاستراتيجية الروسية – الايرانية اكثر تماسكا ووضوحا تؤكد الاوساط، في جعل هذا الخيار للشعب السوري وليس فرض اجندات مسبقة لا تشبه المجتمع السوري، طهران وموسكو لا ترغبان في حل على اسس طائفية ستفتح ابوابا «مغلقة» في المنطقة، بينما تبقى واشنطن دون رؤية جدية تسمح لحلفائها بالاتكال عليها لممارسة ضغوط جدية على ايران وروسيا، وهي تلعب على أكثر من حبل في تسييرها للملف السوري اذ انها ترضي حلفاءها الخليجيين وخصوصا السعودية بالتأكيد على ضرورة دعم المعارضة السورية وهي تسلم بشكل «مستفز» للحلفاء بأن الحل سياسي بامتياز وسيمر حتما عبر بوابة روسيا ومن خلفها إيران. الرياض تدرك انه دون دعم اميركي جاد ليس بمقدورها تحقيق اي انتصار دبلوماسي، «واول الغيث» اضطرارها الى التراجع عن رفض «الكلام» مع الايرانيين حول الملف السوري مباشرة، وهو شرط ابلغه وزيرالخارجية السعودي عادل الجبير الى نظيره الروسي سيرغي لافروف في الدوحة قبل اشهر، وعاد مرغما عنه بعد التحولات الميدانية العسكرية التي فرضها الروس.

اما «التحديات» التي تراهن السعودية على وضعها امام روسيا في سوريا فلن تؤدي الى تغيير قواعد اللعبة، فالتطورات تشير الى ان الامور تجري لمصلحة موسكو حتى الآن، فالتحالف الروسي الإيراني -السوري قد رسخ مكانته في جميع انحاء المنطقة، وكدليل على ذلك، تصطف حاليا الدول الأوروبية للاستثمار في إيران قبل ان يجف حبر الاتفاق النووي بينما تشهد دول الخليج المزيد من الازمات الاقتصادية والامنية،

ميدانيا، تعمل موسكو ومعها ايران على القضاء بشكل ممنهج على المعارضة المسلحة بحسب الاوساط، ووضعتا المجتمع الدولي امام خياري النظام السوري او تنظيم «داعش»، عدم مسارعة الغرب ودول الاقليم الى تقديم مساعدات جدية للقضاء على التنظيم الارهابي، ستشرع «ابواب» سوريا نحو دخول عسكري ايراني من «اوسع الابواب»، فروسيا بحاجة لدعم بري من إيران لتحقيق ضربة قاضية ضد «داعش»، وسيكون الوجود العسكري الايراني اكثر علانية، وسيتجاوز مرحلة الحديث عن وجود مستشارين عسكريين على الارض، القرار في موسكو وطهران محسوم، ممنوع خسارة سوريا، وهذا يعني ان كل الاجراءات اللازمة للنجاح الميداني موجودة على «الطاولة»، قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني اتفق مع الرئيس فلاديمر بوتين على دعم بري غير محدود، والايام والاسابيع المقبلة ستشهد تطورات متسارعة في هذا الاتجاه، والرياض تدرك انها ستكون اكبر الخاسرين، وزير خارجيتها «يشترط» انسحاب الايرانيين من سوريا كمقدمة لاي تفاهم سياسي، اما الرد فهو ان الايرانيين «قادمون» بفعالية وقوة غير مسبوقة اذا ما استمرت الرياض على تعنتها، ومن يملك الارض يملك اليد العليا على «طاولة المفاوضات»، وهذا يعني اننا امام اسابيع صعبة جداً لخلق توازنات جديدة على الارض.

وفي هذا الوقت تستمر السعودية في عملية «الغش» القائمة على البحث في بقاء الرئيس بشار الاسد او رحيله، لكن حقيقة الامر ان الخلاف لا يدور حول هذه النقطة، ولا حول المرحلة الانتقالية، المشكلة تكمن في الخلفية المذهبية المتحكمة بالعقل السعودي على حدّ قول الاوساط، الرياض مصرة على انتقال الصلاحيات الرئاسية الى رئاسة حكومة يتولاها السنة، او تريد تغيير الدستور بحيث يأتي رئيس البلاد من الطائفة السنية، دون تعديل في صلاحياته، ليس مهما بالنسبة اليها شكل النظام السياسي بل هويته المذهبية، العروض السعودية لم تغادر هذا المربع «المذهبي» للصراع، ولكنهم حتى الان لم تقدم اي جواب مقنع حول هوية الطرف السني القادر على استلام الحكم، «الجيش الحر» غير موجود مهما حاولوا تلميع صورته، في الميدان القوى المتطرفة تتحكم بالمفاصل الاساسية في الجغرافيا التي تسيطر عليها المعارضة، الخلافات مستمرة مع الحلفاء في الاقليم حول هوية السني المعتدل، الغرب يتحدث صراحة عن تقسيمات جغرافية جديدة. في هذا الوقت تعمل موسكو وطهران على تغيير الوقائع الميدانية. يعني ان الرياض تدور في «حلقة مفرغة».

وامام هذا المعطيات، سواء انتصر الخيار الايراني – الروسي، او انتصرت السعودية، فان تيار المستقبل سيكون اكبر الخاسرين، لان التسوية السورية على الطريقة الروسية- الايرانية تعني خسارة المستقبل لرهاناته، وسيدفع الثمن لبنانيا. اما اذا «ربحت» الرياض وفق استراتيجيتها المذهبية، فهذا يعني ان هذا الامر سينسحب على الساحة اللبنانية تغييرا جديا في التوازنات السياسية القائمة، وسيتجاوز الامر البحث في ملف الرئاسة، الى مجمل النظام السياسي القائم في البلاد، وعندئذ ربما لن يكون اتفاق الطائف قابلا للحياة في ظل المناخات الجديدة. ويبقى ان يتذكر الوزير ريفي ومن معه من قيادات «زرقاء» كلاما شديد الاهمية قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل مدة حين توجه الى «خصومه» المحليين بالقول» عليكم ان تخشوا خسارة حزب الله في سوريا وليس تحقيقه الانتصار».

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى