بروز روسيا وتردد الولايات المتحدة آنا بورشفسكايا و جيمس جيفري
22 تشرين الأول/أكتوبر 2015
قام الرئيس بشار الأسد هذا الأسبوع بزيارة مفاجئة الى موسكو عشية المحادثات التي ستجري في فيينا في 23 تشرين الأول/أكتوبر، بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيريهما التركي والسعودي، الذين سيجتمعون لمناقشة الصراع في سوريا. وفي كلمته الترحيبية إلى الأسد، ربط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين الاستراتيجيات السياسية والعسكرية التي تتبعها موسكو، بقوله: “وفيما يتعلق بمسألة التسوية في سوريا، فإن موقفنا هو أن النتائج الإيجابية للعمليات العسكرية ستضع الأساس للعمل من أجل التوصل إلى تسوية طويلة الأمد، تكون مبنية على عملية سياسية تشارك فيها جميع القوى السياسية والجماعات العرقية والجماعات الدينية “.
إن دوافع روسيا لم تتغير: ففي مقاربة المجموع الصفري تجاه الدبلوماسية، استغل بوتين باستمرار التناقض الغربي بشأن سوريا منذ بدء الانتفاضة في عام 2011. وقد أدى الفراغ الناجم عن هذا التردد إلى قيام بوتين بدس نفسه في مناقشات السلام وتقديم خطة لخدمة مصالحه الذاتية، أي : الحفاظ على الأسد في السلطة، وتنصيب الكرملين بوصفه لاعباً عالمياً لا غنى عنه، وصرف انتباه الرأي العام الروسي عن المشاكل الداخلية. وبعد أن فشلت محادثات السلام الدولية في جنيف عامي 2012 و 2014 في التوصل إلى قرار حول المسائل موضع البحث، استضافت موسكو جولتين من المحادثات الخاصة بها أطلقت عليها اسم مناقشات “اللقاء التشاوري السوري -السوري”، وذلك في كانون الثاني/يناير ونيسان/أبريل 2015. ولم تساعد هذه المحادثات هي الأخرى في الترويج لتسوية سلمية حقيقية، بل سمحت للكرملين بدلاً من ذلك بإشراك الفصائل التي لا تطالب برحيل الأسد بينما عززت الفكرة القائلة بأن الرئيس السوري هو عنصر لا غنى عنه في محاربة “الإرهابيين” – الذين تحددهم موسكو ودمشق بأنهم يضمون أي فرد مسلح يعارض النظام.
ويثق بوتين في اتخاذ مثل هذه الخطوات لأنه يعتقد أن صناع السياسة في الغرب لن يحافظوا على تعهدهم ولن يلتزموا به، وهو درس تعلَّمه عندما فشلت واشنطن في تنفيذ الخط الأحمر الذي وضعته لنفسها في أعقاب استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، ورحّبت بعرض موسكو من عام 2013 لنزع سلاح النظام، وقبلت ضمنياً بالأسد كجزء من عملية السلام رغم تصريحاتها السابقة بأنه ينبغي عليه “التنحي”. وبالمثل، فمنذ أن شنّت موسكو تدخلها العسكري في الشهر الماضي، انتهكت القوات الروسية في سوريا المجال الجوي التركي عدة مرات، كما أفادت بعض التقارير بأنها تتبعت طائرة أمريكية بدون طيار [فوق سوريا] من دون عاقبة – وقد اختبر بوتين الغرب ورأى مرة تلو الأخرى بأن ردّ هذا الأخير سيكون ضعيفاً ولن يتجاوز التصريحات الغاضبة والتحركات الرمزية.
إن اجتماع بوتين مع الأسد هذا الأسبوع هو دليل آخر على ثقته بأن بإمكانه إجبار الغرب على قبول موقفه. ووفقاً لـ “وكالة أنباء تاس” الروسية، دعت رئيسة “مجلس الاتحاد الروسي” فالنتينا ماتفيينكو “جميع البلدان المعنية إلى الانضمام إلى الحوار بين روسيا وسوريا” بعد انتهاء الاجتماع، بتسليطها الضوء على موقف موسكو المتصوّر كرائدة في حل الأزمة.
وفي هذا السياق، يمثل اجتماع 23 تشرين الأول/ أكتوبر في فيينا هزيمة للسياسة الأمريكية التقليدية القائمة في المنطقة منذ عام 1973، والتي تتحمل بموجبها أمريكا وحلفائها المسؤولية الأساسية لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها السلام. وتشكل هذه الهزيمة نتيجة حتمية لتردد إدارة أوباما في استخدام القوة العسكرية اللازمة في سوريا – وقد تَمثل ذلك أولاً في الإحجام عن التهديد بتوجيه ضربات ضد نظام الأسد عندما استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وبعد ذلك في الحد من الضربات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» على الرغم من تعهدها بـ “تدمير” هذا التنظيم. وفي الوقت نفسه، إن ذلك لا يعكس فقط وجود عسكري ميداني روسي في المنطقة، بل تشكيل تحالف روسي ناشئ مع إيران أيضاً. والخبر الطيب الوحيد هو أن نظام الأسد لن يشارك في المحادثات في فيينا – على الرغم من أنه قد تم تخفيف أثر ذلك من خلال زيارة الأسد المفاجئة إلى موسكو.
وفي جميع الاحتمالات، ستسفر محادثات يوم الجمعة عن واحدة من نتيجتين. الأولى هي القبول الأمريكي والسعودي باستراتيجية “بقاء الأسد في الوقت الحاضر” من أجل التركيز على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن شأن مثل هذه المقاربة أن تعكس الخطوات العسكرية التي تتخذها روسيا وإيران مع حلفائهما في سوريا، فضلاً عن استمرار عدم الرغبة في واشنطن – وبالتالي في صفوف التحالف العربي التركي برمته المناهض الأسد – لمواجهة موسكو وطهران. وإذا ما تمت الموافقة على هذا السيناريو، ستتفتت السياسة السعودية والأمريكية التي تسعى إلى الإطاحة بالأسد، وسيبقى الرئيس السوري في السلطة إلى أجل غير مسمى لاستكمال هجرة السكان من جزء كبير من بلاده.
وكبديل لذلك، قد ترفض واشنطن والرياض الموافقة رسمياً [على بقاء] الأسد وقد تلعبان دوراً ثانوياً فيما يسمى بالحملة “ضد تنظيم «داعش»” مقارنة بالدور الذي تلعبه موسكو وطهران، إلا أنهما قد تستمران في توفير بعض المرونة حول توقيت رحيل الأسد. وفي حين لا يشكل ذلك استسلاماً خنوعاً كالاحتمال الأول، إلا أن هذا الموقف لا يرقى سوى إلى حفظ ماء الوجه بصورة مؤقتة، ما لم يتم دعمه بتحرك أمريكي وسعودي أكثر قوة من خلال تقديم المساعدة لأولئك الذين يقاتلون الأسد، فضلاً عن القيام بحملة عسكرية سريعة وأكثر فعالية تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وباستثناء ذلك، من غير المرجح أن تشعر روسيا وإيران بأي ضغط.
وفي أي سيناريو، ليس من الواضح ما إذا كان أي اتفاق لوقف إطلاق النار أو اتفاقات انتقالية يتم التوصل إلها في محادثات فيينا سيمكن تنفيذها على أرض المعركة. إن مصداقية الولايات المتحدة مع فصائل الثوار المسلحة منخفضة جداً، ومن غير المرجح أن تتراجع القوى الإقليمية المناصرة لهؤلاء الثوار بغض النظر عما إذا قامت روسيا بعمليات القصف أم لا. ويظل من المشكوك فيه ما إذا كان بإمكان روسيا تقديم أي شيء للأسد باستثناء عملية سياسية على طراز “[إصلاحات] بوتيمكين” [ضابط جيش وسياسي روسي] من النوع الذي كانت المعارضة قد رفضته بالفعل عدة مرات، حتى عندما كانت تُهزم على أرض المعركة. وبالتالي فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنه بغض النظر عما يحدث في فيينا، فسوف تستمر المسارات الدبلوماسية والعسكرية للحرب في المضي في اتجاهين مختلفين.
آنا بورشفسكايا وجيمس جيفري باحثان في معهد واشنطن.
معهد واشنطن