روسيا وحماية سوريا تاريخياً رضوان الذيب
مئات التحليلات تنشر يوميا عن العلاقات الروسية – السورية والتدخل العسكري الروسي المباشر على الارض السورية، واعتبار ذلك من قبل البعض بالامر الاستثنائي والنوعي فيما هو امر طبيعي اذا تم استعادة تاريخ العلاقات بين البلدين منذ قيام الحركة التصحيحية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الاسد، لا بل قبل ذلك بكثير حيث كانت العلاقات استثنائية منذ وجود سوريا وروسيا وموقع سوريا الاستراتيجي بالنسبة لروسيا وطريقها الى المياه الدافئة على البحر الابيض المتوسط، وحسب مصادر متابعة لتاريخ العلاقات، فان الدعم السوفياتي لسوريا عام 1973 وخلال حرب تشرين اعاد سوريا لاعبا اساسيا في معادلة الشرق الاوسط عبر تصحيح خلل التوازنات وهزيمة 1967، وبالتالي عادت سوريا بكل ثقلها الى الميدان الاقليمي العربي والدولي.
وتضيف المصادر عام 1978 ومع زيارة السادات الى فلسطين المحتلة وتطويق سوريا عربيا ودوليا تدخل الاتحاد السوفياتي لفك هذا الحصار عبر دعم لا محدود لسوريا ادى الى الخروج من هذا الحصار والانقلاب عليه واستعادة كل الاوراق عبر افشال نتائج زيارة السادات.
وتعود المصادر بالحديث الى عام 1982 والاجتياح الاسرائيلي عندما وصل الجيش الصهيوني الى بيادر العدس في البقاع ودق ابواب دمشق وبعد المعركة الجوية الشهيرة وسقوط اكثر من 100 طائرة سورية وعندما تدخل الرئيس السوفياتي اندربوف وفتح مخازن كل الاسلحة للجيش السوري وارسل الخبراء طائرات الهليكوبتر المقاتلة الهجومية، وادى ذلك الى صمود الجيش السوري وانتصاره في معركة بيادر العدس، وعين داره عبر دبابات ت – 72 السوفياتية وبسالة الجيش السوري، مقابل ذلك وضع اندربوف خطوطا حمراء على اسرائيل وواشنطن. استغل الرئيس الراحل حافظ الاسد الموقف السوفياتي وقاد المواجهة وحقق الانقلاب الكلي على اسرائيل وعملائها في لبنان واستعادت سوريا كل الاوراق التي خسرتها بفضل هذا الدعم وادى ذلك الى انقاذ النظام السوري.
وتعود المصادر الى العام 2005 والتدخل الروسي الذي وضع حداً للمحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد ان بدأت المحكمة بالدق برموز النظام السوري فتدخلت روسيا ووضعت حدا لمسار المحكمة وقد تم الدعم للرئيس السوري وحمت النظام ايضا.
وتذكر المصادر بقضية السلاح الكيماوي عام 2013 واتهام سوريا باستخدامه حيث جهزت واشنطن طائراتها للضرب، وحددت مواعيد لبدء الهجمات الدولية ضد سوريا ووضعها تحت الفصل السابع واسقاط النظام، وتدخلت روسيا بقوة ووضعت حدا للسياسة الاميركية التي تراجعت عن الضربة، وارتاحت دمشق وتنفست الصعداء بعد ان بات سقوط النظام على المحك وحمت روسيا النظام ايضاً.
وتضيف المصادر روسيا ومنذ بداية الازمة في سوريا تدخلت في مجلس الامن مع الصين ومنعت صدور قرار دولي ضد سوريا واستخدام القوة ضد النظام ومنعت الاقتراب منه وسقوطه وحمته ايضاً وايضاً.
وكذلك تؤكد المصادر ان التدخل العسكري الروسي في سوريا امر طبيعي في ظل العلاقات بين البلدين، وروسيا لا يمكن بعد خسارتها اوكرانيا ان تخسر سوريا، رغم ان النظام الاوكراني الحليف لروسيا سقط خلال ساعات، بينما صمود الرئيس الاسد والجيش السوري ومؤسسات الدولة «اغرى» روسيا للتدخل، حيث تحولت روسيا الى «اللاعب الدولي» الاول في العالم من خلال الملف السوري وصمود الرئيس الاسد، ولولا سوريا لكانت روسيا على الهامش وتتقاذفها المؤامرات الاميركية والاوروبية. اما حاليا فهي لاعب من «طراز نادر» تخطط وتفاوض وتحدد المواعيد، حيث «طغى» نجم لافروف على ذكاء وحنكة اندريه غروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفياتي الذي اعتبر الرجل «الاذكى» ديبلوماسياً في العالم وتفوق احيانا على هنري كيسنجر وزير خارجية اميركا في الدهاء، لكن لافروف تفوق على الاثنين بدعم كلي من بوتين الحاسم في خياراته.
وتؤكد المصادر «ان سوريا تمثل اكبر «كنز» لروسيا، وهناك مصالح مشتركة بين البلدين ولا يمكن لروسيا وسوريا التفريط بالعلاقات بينهما، وكل طرف بحاجة الى الطرف الاخر، والمصالح المشتركة متينة بينهما.
وفي المعلومات، ان روسيا ورغم ازمتها الاقتصادية قدمت ايضاً الدعم المالي لسوريا حتى ان الرئيس بوتين «فرض» على كبار رجال الاعمال الروس تقديم دعم لسوريا وللجيش السوري وللدفاع الشعبي وهذا امر بات معروفاً، وبالتالي فان كل المراهنين على تراجع روسيا عن دعم سوريا «واهمون جدا» حتى لو اضطر الامر الى تدخل بري في سوريا فروسيا ستنفذ ذلك، حتى ان الوفد العسكري السوري الذي زار موسكو منذ شهرين برئاسة اللواء ذيب زيتونة سمع كلاماً واضحاً وقراراً حاسماً من القيادة الروسية بتلبية كل طلبات الجيش السوري والقرار الحاسم «ممنوع سقوط النظام» حتى ان الذين يراهنون على تباين ايراني – روسي في سوريا «بسطاء ايضا» ولا يعرفون ان التنسيق بين القيادتين «يومي» و«ساعة ساعة» وهناك غرفة عمليات مشتركة تدير الامور وتفاصيل العمليات واحتياجات المعركة حيث ايران هي الداعم الاول للعمليات الروسية لان الهدف الايراني القضاء على الارهاب قبل كل شيء، وبالاضافة الى التنسيق العسكري فان خطوط الهاتف «مفتوحة» بين الدولتين، واللافت ايضاً ان «حزب الله» شريك اساسي على هذه الطاولة والمعادلة الكبرى.
وتشير المصادر ان التنسيق الروسي – الايراني حزب الله حول سوريا يشمل ايضا الصين وفنزويلا ودول «البريكس» وكل دولة تساهم بطريقتها وضمن امكاناتها ففنزويلا تدعم بالنفط والصين بالتجهيزات التقنية وكذلك دول البريكس بالامور الاقتصادية والغذائية والاستيراد والتصدير.
وحسب المصادر، فان الحكومة السورية ورغم الحرب الكونية عليها زادت نسبة غلاء المعيشة بمعدل 75% واصبح راتب الموظف 17500 ليرة سورية، بعد ان كانت 10 الاف منذ شهر وهذا يدل على مدى الدعم الدولي لسوريا التي تتعرض لاضخم مؤامرة في التاريخ.
وتختم المصادر بالتأكيد على ان العمليات العسكرية في سوريا مستمرة الان ولمدة 6 اشهر قابلة للتجديد حسب سير المعارك، وخلال هذه الفترة كل الاحاديث عن حلول مجرد اوهام والقرار الروسي واضح بالقضاء على الارهاب والرئيس الروسي لم يأت الى سوريا ليهزم، لان هزيمته تعني سقوط روسيا كما سقط الاتحاد السوفياتي في افغانستان، علما ان المخابرات الاميركية والروسية الان بدأت ترصد موقف قيادة «داعش» والى اين ستنقل قواتها بعد الخروج من سوريا، هل الى اليمن ام تركيا ام سرت في ليبيا واغراق مصر في الفوضى او الى غزة لاكتساب مشروعية لوجودها من خلال قتال اسرائيل، وعمليات الرصد بدأت لان قيادات «داعش» لا تقاتل حتى الموت او الانتحار، فانسحبت من افغانستان مع الهجوم الدولي كذلك من العراق وانتقلت الى اماكن اخرى وهكذا ستفعل في سوريا فلن تخسر كل قياداتها ووجودها، وستنقل عملها الى مناطق اخرى لانها لا تخوض «حربا نظامية شاملة» او حرب «قاتل او مقتول» في ظل استراتيجيتها الفكرية.
الايام القادمة صعبة جداً واستراتيجية واستثنائية لكن قرار الحسم في سوريا اتخذ ولا تراجع عنه ولا مجال حاليا للحلول، والكلمة ستبقى «للمدافع» خلال الاشهر الستة.
(الديار)