الصحف الغربية: الرياض ضعيفة وواشنطن غيّرت سياستها عامر نعيم الياس
بين فترة وأخرى، نضطر إلى تغطية الصحافة الغربية وتوجّهها في ما يخصّ الملف السوري. فالإعلام الغربي يعمل بشكل عام تحت إدارة غرفة عمليات واحدة تدفع في بعض الأحيان إلى ترسيخ مقولات من نوع ما على شكل صياغات سياسية في حملة إعلامية متناسقة ومتوافقة بهدف تحقيق هدفين: الأول التمهيد لتحوّل في الرأي العام الغربي تجاه مقاربة ملفات دولية أو حتى داخلية، يصبح التغيير فيها واجباً لكن تحت بند عدم توضيح حصول انتكاسة في السياسة الغربية أو تغيّر يناقض ما سبقه من سياسات. والثاني، الدفع المباشر لتبنّي النخب سياسة «أكثر واقعية» في مقاربة الأزمات الدولية والصراعات بين القوى العظمى على امتداد العالم. وهنا يحضر الملف السوري باعتباره الأكثر إثارةً للانقسام والأكثر تأثيراً في رسم الخريطة الجديدة لنفوذ القوى الدولية ومن بعدها الإقليمية على مستوى العالم عموماً والشرق الأوسط خصوصاً. هنا يتم استخدام مصطلح الواقعية السياسية باعتباره انعكاساً لموازين القوى على الأرض هذا ما قاله عن سابق إصرار رئيس هيئة الأركان الأميركية في توصيفه للوضع الميداني في سورية قبل ثلاثة أيام، والذي ظهر بوضوح في ما نشرته الصحافتان الفرنسية والبريطانية عن اجتماع فيينا المرتقب في الثلاثين من الشهر الجاري، خصوصاً في ما يخصّ دعوة إيران التي غابت عن «جنيف 1» في الثلاثين من حزيران عام 2012، وعن «جنيف 2» في الثاني والعشرين من كانون الثاني عام 2014. لكنها حضرت اليوم بدعوة روسية ـ أميركية عكست قدرة الروسي على المناورة والاحتفاظ بسيطرته وريادته في صوغ الحلول الخاصة بالصراع في سورية وعليها، وسط تسليم أميركي واضح بهذا الدور الذي فُرِضَ على الساحة السورية وأوصل الاستراتيجيات الغربية إلى طريق مسدود. وحتى لو لم يتخلَّ الغرب عن الرهان الميداني حتى اللحظة، إلا أن الحركة الدبلوماسية لإطلاق المسار السياسي باتت ملحة في ضوء العملية العسكرية الروسية في سورية لضرب الإرهاب.
وفق ما سبق، تحرّكت القوتان الكبريان على خط صوغ ورقة عمل للحل السياسي في سورية. وتولى الروس قبل الأميركيين مهمة التعامل مع حلفاء واشنطن الأكثر تعنّتاً في الملف السوري وعلى رأسهم مملكة آل سعود، التي من الواضح أنها تبحث عن حلّ في اليمن لا يمكن أن يتم من دون حلّ متزامنٍ في سورية يرضي المايسترو الروسي.
وفي هذا السياق، دُعيت إيران إلى مؤتمر فيينا ممثلةً بشخص وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، وهو بحدّ ذاته إنجاز بغضّ النظر عما هو متوقع من الاجتماع الذي يضم الثنائي الروسي ـ الإيراني في مواجهة الثلاثي الأميركي ـ التركي ـ السعودي. فقد قالت منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في مقابلة أجرتها معها «لوموند» الفرنسية: «المهم هو اجتماع الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة لمناقشة عملية الانتقال السياسي، والاتحاد الأوروبي يملك قناة الاتصال الأكثر نجاعة مع إيران بعد الاتفاق النووي». باتت إيران أمراً واقعاً في الحركة الدولية لحل الملف السوري. استطاع الروسي «ملك لعبة البوكر» وفق توصيف صحيفة «لوموند» بانتزاع اعتراف دولي بالدور الإيراني في الملف السوري الذي لا يمكن الالتفاف عليه.
وفي هذه الحيثية يقول جان بيار بيران في صحيفة «ليبيراسيون»: «هذا هو الحدث في حدّ ذاته: إيران الحليف الرئيس لنظام بشار الأسد تشارك في محادثات دولية في شأن الصراع السوري. الدعوة جاءت من الولايات المتحدة وروسيا. هذه الأخيرة هي التي قامت بالمناورة ووصلت إلى نقطة تحوّل دبلوماسي كبير». ويكمل الكاتب والصحافي الفرنسي مهاجماً فرنسا التي «تشن حرباً لا هوادة فيها على بشار الأسد»، وهو أمرٌ من النادر حدوثه في صفحات الصحيفة المحسوبة على الحزب الاشتراكي الحاكم في فرنسا والملتزمة بسياساته العدوانية تجاه سورية. والتي تدفع ثمن سياساتها في مؤشرٍ ضمني على الخطأ الذي يشوب استمرار السياسة الفرنسية ويقول «استبعدت فرنسا من الدينامية الجديدة الخاصة بالتقارب حول سورية بين واشنطن وموسكو. علينا أن نذكر أن فرنسا لم تُدعَ إلى اجتماع فيينا في الثالث والعشرين من الشهر الجاري».
«غارديان» البريطانية من جانبها رأت أن دعوة إيران إلى حضور اجتماع فيينا تمثّل «تغيّراً كبيراً وملحوظاً في سياسات الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط». ويعتبر كاتب التقرير الصحافي أيان بلاك أن «هذه الدعوة هي العلامة الثانية على أن الأحداث بدأت تتخذ منحى في مصلحة نظام بشار الأسد بعد العلامة الأولى وهي التدخل العسكري الروسي». وحول تداعيات ذلك الإقليمية ترى «غارديان» أنه وعلى رغم العداء بين السعودية وإيران، إلا أن رضوخ الأخيرة لرغبة واشنطن تشير إلى «الضعف السعودي واليأس الذي تواجهه على الساحة الدولية في خصوص الملف السوري».
من غير المتوقع أن يخرج الاجتماع الذي سيعقد في فيينا اليوم الجمعة بنتائج تغيّر وجهة الأحداث. لكن المؤكد أن الاعتراف بأقطاب اللعبة الحقيقيين يمثل بدايةً لطريق التفاوض في سورية المشوب بالتعقيد والمحكوم بالتطورات الميدانية ومسارها.
(البناء)