انقطاع الكهرباء: جدعون ليفي
كارثة وراء الاخرى في البلاد المليئة بالكوارث: توقف التيار الكهربائي عدة ساعات في الاف البيوت واستمرت الكارثة ليومين أو ثلاثة وكذلك الاجواء العامة: تقريبا محرقة. عناوين يوم الحساب وبث حي من مراكز الكارثة، ومقدمة البرنامج تحمل ملامح خاصة بايام الكوارث.
والمراسلون الشجعان في خط النار يقومون بتعظيم الدراما. «عائلة اولترمن تعيش ليلة اخرى في الظلام»، قال احدهم من ساحة الاحداث والكارثة الانسانية. «لقد ألقى الناس بالجبنة والحليب إلى المهملات ويأكلون الان الخبز والشوكلاتة فقط. كأس من القهوة هو مثل الفوز في اللوتو»؛ «أما الباقي فقد اصابه التلف»؛ «انفجر الغضب. ستون ساعة في الظلام»؛ «كيف يعذبون الناس هكذا. أم زوجتي لا تستطيع ان تستحم».
«هذه ليست ظروف يمكن العيش بها. الامر هكذا منذ يوم الاحد. نقوم بشحن الهواتف النقالة في السيارات». «ابقى هنا مع باقي الناس»، يقول المراسل بنوع من التضامن وكأنه يريد ان يبكي.
صحيح ان توقف الكهرباء مسألة صعبة. وبالذات حين يستمر الامر عدة ايام. لا يجب أن يحدث هذا ويجب اقامة لجنة تحقيق فورا. ولكن حين ترد الدولة بهستيريا على انقطاع الكهرباء يومين في الوقت الذي تكون فيه مسؤولة عن قطع الكهرباء عن ملايين الاشخاص لمدة سنوات؛ حين تفقد الدولة اتزانها بعد ليلة واحدة من الشموع في الوقت الذي يعيش جيرانها والواقعون تحت سلطتها كذلك في الظلام منذ سنين، هذا الامر لم يهمها ولو للحظة ـ لان الانقطاع الحقيقي في تلك الحالة لم تسببه شركة الكهرباء.
هكذا هي الحياة في غزة، ساعة ونصف من بني صهيون. في معظم البيوت تنقطع الكهرباء بين 12 ـ 16 ساعة يوميا، كل يوم ومنذ تسع سنوات.
في الشتاء والصيف، في الليل والنهار. اكثر من 70 في المئة من البيوت تحصل على المياه فقط لمدة 6 إلى 8 ساعات، مرة كل يومين. وهذا ايضا بسبب قلة الكهرباء. وحسب معطيات وكالة الأمم المتحدة «اوتشا» فان غزة تحصل على 45 في المئة فقط من الكهرباء التي تحتاجها. منذ أن قصفت إسرائيل محطة القوة عام 2006 ومنذ ذلك الحين فرض الحصار الذي تسبب بنقص الوقود، لا توجد كهرباء كفاية في غزة. كانت لجلعاد اردان مرة فكرة: قطع الكهرباء الإسرائيلية كليا عن غزة. انها فكرة. إلا ان محكمة العدل العدل العليا قالت في عام 2007 انه رغم انفصال إسرائيل عن غزة فانها ملزمة بتقديم الكهرباء بسبب التعلق الذي خلقته خلال سنوات الاحتلال.
1.8 مليون شخص. مشكلتهم ليست فقط شحن الهواتف النقالة في السيارة واين تستحم العجوز. لمعظمهم لا توجد سيارات أو مرافقات فلبينيات. والكثيرون منهم بدون بيت بعد ان قامت إسرائيل بقصفه ولا يستطيعون اعماره ـ ومشكلة الكهرباء اصبحت غير مهمة. وبعضهم ليس لديه لحمة في الثلاجة، الخبز والشوكلاتة هي اشياء زائدة بالنسبة لهم.
انهم بشر، ويعيشون بدون كهرباء. كل ما مر على رمات هشارون هذا الاسبوع يمر عليهم منذ سنوات. لو كان هناك المزيد من الإسرائيليين الذين يفكرون في هذا في رمات هشارون. يوجد ايضا الاف الناس الذين يعيشون بدون كهرباء مطلقة في غور الاردن وجنوب جبل الخليل. مليونا فلسطيني في الضفة يعانون من نقص المياه مقارنة بالمستوطنات الغارقة بالمياه.
الانسان مقرب من نفسه فقط، وتهمه أمور مدينته ـ اما الباقي فليذهب إلى الجحيم. حين تدعي الدولة أنها ضحية بسبب توقف الكهرباء ويعيش إلى جانبها ملايين الناس الذين اصبح هذا نمط حياتهم وقلبها ليس معهم ـ فان شركة الكهرباء ليست هي المريضة.
هآرتس