بقلم ناصر قنديل

ما هو عامل جذب الإرهابيين؟

nasser

ناصر قنديل

من المعيب على شخصيات في مواقع المسؤولية الدستورية في دول عريقة في الممارسة الديمقراطية التي تقوم على معادلة احترام حقوق الناخبين في الاطلاع على الحقائق، أن يمارسوا التزوير والتضليل، ورغم أنّ هذا العيب جرى ارتكابه مراراً إلا أنه لا يزال عيباً يضطر مرتكبوه للاعتذار علناً ولو بعد فوات الأوان، كما حدث مع كولن باول وزير خارجية أميركا الأسبق في ترويج شريط ملفق لتبرير غزو العراق، الذي بُني على إيهام العالم بأنّ في العراق أسلحة دمار شامل تمتلك أميركا توثيقاً يثبت صحة مزاعمها ويبرّر لها حربها .

تستطيع دولة بلا دستور وبلا انتخابات وبلا تقاليد سياسية وديبلوماسية وديمقراطية مثل السعودية أن تقول بكلّ فجاجة نريد حكماً سورية تابعاً ومستعدّون لدفع الثمن ولو وصل إلى مئة مليار دولار، كأيّ عملية شراء أو بيع تجريها العائلة الحاكمة المتورّطة بفضائح أخلاقية تطال اسمها ولا يرف لها جفن، ولن يلوم أحداً أيّ مسؤول سعودي إذا اجتهد وتحدث بلغة سياسية يبرّر فيها سبب تمسك العائلة برحيل الرئيس السوري، فذلك سيكون تقدّماً سلوكياً بقياس المتوقع منه قوله بفجاجة، فإذا قال إنّ مذهب الرئيس السوري وطائفته أمر مهمّ للعائلة المالكة يكون قد تحدّث في السياسة وهذأ أمر جيد، وإذا قال إنّ العائلة الحاكمة السعودية لا تريد رئيساً له تحالفات تربك سياسة العائلة ولا رئيساً يتمسك بسورية مستقلة وذات موقع مقاوم لـ«إسرائيل» فسيكون ذلك تقدّم أهمّ في بذل جهد لدخول عالم السياسة من العائلة المالكة، فكيف إذا قال إنّ وجود الرئيس السوري عامل جذب للإرهابيين، فسينال شرف التعب والتعرّق لاكتشاف معادلة تستر فجاجة البيع والشراء التي لا يتقنها سوى أمراء العائلة، والتي ستقبل منهم لو قالوها باعتبار أنّ سقف التوقع سيكون مرتفعاً إذا إنتظر أحد أن يتفوّهوا بغير كلمتي «أبغي وأدفع»، لكن الذهول سيقع عندما يكرّر وزيرا خارجية أميركا وفرنسا الجملة التي تفوّه بها وزير خارجية السعودية حول جذب الإرهابيين، ويصير نقاشها واجباً منعاً للعبة التزوير والتضليل.

يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنّ أمرين يبرّران تمسكه وتمسك حكومته برحيل الرئيس السوري، الأول أنّ هناك حاجة لخلق مسافة فاصلة بين المعارضين السوريين والإرهابيين، وأنّ رحيل الرئيس السوري سيمنح المعارضين السوريين الذين يندمج قتالهم مع الإرهابيين، فرصة اعتبار ذلك نصراً لهم ويحمّلهم مع حلفائهم الإقليميين والدوليين مسؤولية بناء الدولة السورية، وبالتالي ضمناً رحيل الإرهابيين وقتالهم بالضرورة، والثاني أنّ هناك حاجة لفصل المتحمّسين طائفياً للقتال في سورية من المتطوّعين غير السوريين عن الإرهابيين الذين يختلط مجيء المقاتلين من صفوفهم معاً إلى سورية، وأنّ بقاء الرئيس السوري يستجلب المتحمّسين تعاطفاً مع من يعتبرونهم ضحايا ظلم طائفي من أبناء مذهبهم وأن يتعبّأوا لنصرتهم، وأنّ الإرهابيين يتسللون تحت جناح هؤلاء، وأنّ رحيل الرئيس السوري سيضع حداً لهذا الاختلاط ويسمح بملاحقة الإرهابيين من دون نيل أيّ غطاء، خصوصاً أنّ الدول التي تقدّم تسهيلات ودعماً لهؤلاء المتدفقين إلى سورية كتركيا والسعودية وقطر والأردن تفعل ذلك تحت شعار نصرة جزء من السوريين بمتطوّعين بمواجهة متطوّعين يقاتلون مع الدولة والجيش في سورية من لون طائفي مقابل.

السؤال الأول الذي يواجه معادلات كيري هو الحالة الليبية، التي رحل فيها الرئيس الحاكم معمر القذافي، ونالت المعارضة جائزتها التي يدعو كيري لمنح المعارضة السورية مثلها، وعليه أن يثبت أنّ هذا النيل للجائزة في ليبيا وفّر ضمان قيام المعارضة بحكم ليبيا ومنع تدفق الإرهابيين إليها، وأنّ تنافس الرعاة الإقليميين والدوليين، بعد رحيل الحاكم معمر القذافي الذي كان ائتلافهم تحت عنوان ترحيله يكفي، لترك ليبيا لليبيين، سيتوقف وتترك ليبيا لأبنائها فعلاً، ولا يشكل ضعفها عامل جذب لهم لنيل حصة منها، وأنهم في تنافسهم على الحصص سيتورّعون عن استعمال التنيظمات الإرهابية بصيغ جديدة للنيل من بعضهم البعض وممثلي بعضهم البعض في مشروع الحكم الجديد، بذات الطريقة التي قدّموا فيها الدعم والتسهيلات لهؤلاء الإرهابيين تحت شعار التخلص من الحاكم معمر القذافي، وما حدث في ليبيا يكذب كلّ منطق كيري، ويقول إنّ رحيل القذافي كان الطريق الأقصر لتفشي الإرهاب في ليبيا وتمدّده وتحوّله القوة الضاربة التي تشتري رضاها الدول النافذة والطامحة لنيل حصة من ليبيا التي صارت دولة سائبة بعدما صارت دولة فاشلة، فصار تنافس وتقاتل الخارج على ليببا وفي ليبيا تقاتلاً بتنظيمات إرهابية سبق وقيل إنها جاءت لنصرة الشعب الليبي، وتبيّن أنّ أصل اهتمام الدول التي سهّلت والتي تدخلت لم يكن لا حرصاً ولا سعياً إلا لما تدركه من مصالحها، فما هي وصفة كيري لمنع تكرار النموذج الليبي في سورية، وفي ليبيا لا طوائف ولا مذاهب يتعصّب لها المهتمّون بالتضامن مع شعبها لنيل جائزة الديمقراطية؟

السؤال الثاني الذي يواجه معادلات كيري هو، إذا انتفت أكذوبة اختلاط المعارضين بالإرهابيين ووصفة الفك التي يقدّمها كيري، ومثلها اختلاط المتحمّسين لنصرة الشعب الليبي أو السوري بالإرهابيين ووصفة الفك الثانية التي يقدّمها كيري، فالسؤال هو هل أنّ ما يجذب الإرهابيين هو حزم الرئيس السوري الذي يسمّيه كيري تصعيداً طائفياً، أم تهاون الغرب وحلفائه الذي تراه سورية تورّطاً وشراكة مع الإرهاب؟

معادلات الشهر المنقضي على الدخول الروسي على خط الحرب في سورية والهجوم البري الذي بدأ تنفيذه الجيش السوري تقول إنّ ما تمّ في سورية من قبل كان حشد عشرات الآلاف من الإرهابيين تحت مسمّيين أساسيّين، واحد هو «داعش» والثاني هو «النصرة» وحلفاؤها، وتمكينهما من السيطرة على مناطق سورية بدعم إقليمي ودولي وتقاسمها، وفي المقابل عدم الجدية في خوض الحرب ضدّ «داعش» والسعي لتحييد «النصرة» من بين أهداف الحرب على الإرهاب، ووضع رحيل الرئيس السوري في مقدّمة أهداف واشنطن وحلفائها، وبالتالي التباطؤ في أيّ حركة عسكرية يمكن أن تضعف الإرهاب باعتبار ذلك مصدر قوة للرئيس السوري وجيشه، وهكذا تمكن الإرهابيون الوافدون من التوجه إلى سورية تحت شعارين، المتحمّسون لخيار «الجهاد» يأتون إلى «داعش» باعتبار الحرب التي يخوضها التحالف الدولي تستهدفه، والهادفون لبناء تنظيمات رديفة كقواعد محمية للعمل في بلادهم التي جاؤوا منها يأتون إلى المناطق الآمنة التي تديرها «جبهة النصرة» وحلفاؤها، وتقول التجربة، إنه منذ بدأت الحرب على «داعش» تصير جدية، تناقص عدد الوافدين وبدأ الرحيل المعاكس، أما بالنسبة للوافدين إلى مناطق «النصرة»، فقد توقفت كل أشكال الهجرة، وصارت هجرة الهروب عبر الحدود للأجانب الذين جاؤوا للتدريب وبناء قواعد للعمل في بلادهم وهم بالآلاف، وتقول التجربة إنه عندما تسكت الأبواق الإقليمية والدولية التي تتحدّث عن الإصرار على رحيل الرئيس السوري ويندمج العالم كله ومعه خصوصاً دول الجوار في خيار الحرب على الإرهاب بالتعاون مع الدولة السورية سيسقط الأمل المتبقي للإرهابيين الذين ينتظرون حاصل التجاذب الجاري تحت هذا العنوان ليحسموا خياراتهم.

– ليس من الفراغ كانت تجارب العراق وليبيا وقبلهما أفغانستان، تقول حيث حلت أميركا وحيث أدارت الحرب على الإرهاب تفشى الإرهاب أكثر، وأنّ دورها ووجودها، مصدر الاطمئنان للإرهاب وسبب الجذب الأول، وها هي تجربة لبنان مقابل تجربة ليبيا، فحيث يفترض أنّ وجود حزب الله هو الجاذب المذهبي في ذروته، وحيث يفترض أنه العدو الأول الذي يبحث الإرهابيون ومعهم المعارضون السوريون الذين يتحدّث عنهم كيري ورعاتهم الإقليميون، عن قتاله ويتهمونه بنصرة الدولة والجيش في سورية وإفشال حربهم عليهما، لم نشهد تدفقاً ولا جذباً، بل شهدنا ضموراً وتراجعاً، تحت ضربات الحسم والحزم والقرار، فحيث أدارت واشنطن ها هي ليبيا تتحدّث كفاية، وحيث أدارت المقاومة ها هي تجربة لبنان تقول أكثر من الكفاية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى