بقلم غالب قنديل

لبنان في عهد الاضطراب السياسي

107

غالب قنديل

بعد ازمة النفايات وتفاعلاتها المتمادية لا ينقص شيء من الوقائع الكافية لاستنتاج اننا في ظل صيغة للحكم ولتداول السلطة ولى زمانها وانكشف عجزها وبلغت خريفها وباتت مستحقة السقوط والاستبدال لكن بديلها لم يرتسم ولم تتشكل ملامحه بينما القوى المسيطرة في هذه التركيبة ترفض جميع دعوات الإصلاح والترميم والتجميل السياسية او الاقتصادية والاجتماعية بصورة تذكر العارفين والمؤرخين بما كان عليه سلوك أرباب صيغة 43 للحكم في الربع الأخير من القرن الماضي والذين أورثوا البلاد بعنادهم واستقوائهم على النزعات والمطالب الإصلاحية حربا أهلية ممتدة ومدمرة واحتلالا صهيونيا وتدخلات خارجية لاحد لها.

حسم اتفاق الطائف نظريا وحقوقيا هوية لبنان العربية واعتبار إسرائيل عدوا وهما أمران كانا موضع نزاع سياسي ما يزال في الواقع مستمرا وكامنا في مفردات الصراع السياسي ورغم النفاق والدجل الذي يمارسه من تعاملوا مع الكيان الصهيوني في سبعينيات القرن الماضي او الذين تناغموا معه مؤخرا قبل الخروج السوري وبعده إلا أن المقاومة وبقوة الفعل الميداني حسمت هذا النزاع بكسر انياب الصهيونية وبطرد الاحتلال عن معظم الأراضي المحتلة واستكملت إنجازها التاريخي بفرض معادلة رادعة كرستها في حرب تموز 2006 التي شارك الفريق السياسي المهيمن في تدبيرها وفي مسارها من الخلف تحت القبعة الأميركية السعودية ورغم ذلك العهر السياسي تواصل المقاومة تعظيم قدراتها وهي تحمي لبنان من خطر العدوان الصهيوني وتدعم قدراتها بعلاقة تنسيق واقعية بينها وبين سورية ومع الجيش اللبناني الذي تصر القوى المهيمنة في الحكم والاقتصاد بقيادة تيار المستقبل وحلفائه على حرمانه من القدرات والإمكانات التي تتناسب وحجم التهديد الصهيوني بما في ذلك الهبات المقترحة من روسيا أو إيران لحصر هذا الجيش في علب التأثر الأميركي والأطلسي.

الحريرية هي القوة المهيمنة على الحكم منذ اتفاق الطائف وقد خسرت على مدار العقود الثلاثة المنقضية كثيرا من رصيدها الشعبي والسياسي ورغم ذلك تحمي سيطرتها على معادلات السلطتين التشريعية والتنفيذية بمنع تغيير قانون الانتخاب وبمنع إجراء الانتخابات النيابية بذرائع أمنية واهية وهي تمنع بذينك المنعين جمهورها وناخبيها من محاسبتها على ما اتبعته من سياسات وخيارات لم يكن آخرها توريط قسم من اللبنانيين بالحرب على سورية التي قتل فيها مئات الشباب اللبناني من جمهور تيار المستقبل ودفنوا في اماكن مجهولة داخل سورية وشيع القليل منهم بصمت في لبنان أو المحاسبة على ما بات معروفا بجبل الوعود الانتخابية الكاذبة الذي لا يقل هولا عن جبال النفايات التي تنتشر في المدن والبلدات والقرى اللبنانية دون اعتبار لطائفة أو مذهب أو ولاء سياسي.

الوصفة التي يطبقها تيار المستقبل ويستميت في حراستها لمنع التغيير الضروري والمستحق واضحة ومحددة : منع الانتخابات والإصلاح الانتخابي الذي بات معرفا بكلمة واحدة هي النسبية ومنع أي مراجعة جدية للسياسة الاقتصادية والمالية في لبنان وهذه الأخيرة هي عصارة نصائح ومشورة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتدمير مفهوم الخدمة العامة ولإنشاب أظافر الشركات الاجنبية والمحلية في مرافق الخدمة العامة والاقتصاد الوطني مع تدمير قطاعات الإنتاج المحلية الصناعية والزراعية بنهج الإباحية الشاملة ومنع الدعم الحكومي وقد منع النهج الحريري الانتقال إلى تصنيع السياحة فظل هذا القطاع أسير معادلة متخلفة ولى زمانها عالميا قوامها الكازينو والمرابع الليلية والدعارة المنظمة مجاراة لأولويات الأمراء السعوديين الذين تكشفت بعض وجوه انخراطهم في شبكات بيع المخدرات مؤخرا عدا عن تورطهم ومملكتهم في تبني شبكات الإرهاب التكفيرية وتهريب الإرهابيين والأسلحة كما تبين منذ حرب مخيم نهر البارد وصولا إلى الحرب على سورية التي أدير جانب مهم من فصولها الأولى انطلاقا من لبنان وبانخراط متعدد الوجوه سياسيا وإعلاميا وأمنيا وعسكريا لأطراف لبنانية هي المستقبل والجماعة الإسلامية والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي كما أكدت تقارير ومعلومات ومواقف سياسية وإعلامية متداولة ومعروفة على امتداد السنوات الأخيرة.

كل ما تقدم مكرس لحساب اقتصاد احادي تهيمن عليه طغمة متربعة على قطاعي المصارف والعقارات تدير دورة ريعية ربوية من خلال الدين العام المتضخم والمتراكم وبعض ذلك الدين جرى اقتراضه بفوائد ربوية تم تقاسم عائداتها بين قوى نافذة محلية وخارجية بإشراف الحريرية وبإدارتها السياسية.

خلاصة القول إنه ما لم تتوصل الكتل النيابية والسياسية إلى تفاهم سياسي على قانون انتخاب نسبي وإصلاح اقتصادي جدي فسوف يذهب لبنان نحو انفجارات شعبية متتالية لا يمكن التنبؤ بزمان حدوثها او بمداها او بطابعها وليتذكر المعنيون ان احدا لم يكن قادرا على التوقع في حينه ان الأحداث التي انطلقت بانتفاضة الصيادين في صيدا ستولد حلقات عنف تدوم اكثر من ربع قرن وتشهد دخول القوات السورية والاجتياح الصهيوني المصاحب بانتشار قوات متعددة الجنسيات لفرض اتفاق 17 أيار الذي أسقطته المقاومة وخروج الفصائل الفلسطينية إلى تونس وسورية ولو تحدث أحد عام 1974 بمثل هذه التوقعات لسيق إلى مستشفى المجانين.

لبنان يدخل عهد الاضطراب السياسي الكبير الذي لن يمنعه انتخاب رئيس جديد والبرنامج الذي يضمن الاستقرار المديد لا بد وان يتضمن إعادة إنتاج السلطة السياسية وخياراتها بعملية شاملة تحقق التكريس الدستوري لمبدأ تكامل الجيش والمقاومة في منظومة الدفاع الوطني وانخراط لبنان رسميا في محور الشرق لمكافحة الإرهاب واعتماد قانون انتخاب نسبي وتدشين اعتماد نظام المجلسين في توقيت معلن ومحدد بقانون دستوري وإعادة هيكلة الدين العام بتحريره من الفوائد الربوية المتراكمة ومراجعة النهج الاقتصادي لصالح تطوير الصناعة والزراعة والسياحة والإصلاح الهيكلي الشامل للإدارة العامة هذه هي العناوين الكبرى للتغيير اللبناني الواقعي ومالم يقرها وفاق سياسي فوقي ستكون عناوين تحملها هبات شعبية قادمة يصعب احتواؤها بالتلاعب الطائفي القذر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى