روسيا والإرهاب والأزمة الاقتصادية: حميدي العبدالله
على موقع «معهد واشنطن» وفي سياق تكثيف حملته المعادية للإسهام الروسي في الحرب على الإرهاب في سورية تمّ ترداد مقولة طالما كرّرها كثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين في الغرب، وقلّدهم كالعادة المحللون العرب. مفاد هذه المقولة أنّ الدول تخرج إلى الحرب هرباً من أزماتها الاقتصادية. وفي هذا السياق فسّر بعض باحثي «معهد واشنطن» دور روسيا العسكري في سورية بالقول «التدخل العسكري يعني تشغيلاً للمصانع الحربية وإتاحة فرص عمل للروس، وبالتالي يساهم ذلك في تعافي الاقتصاد الروسي، وكسر حالة العزلة المفروضة على روسيا من الاتحاد الأوروبي». واضح أنّ «معهد واشنطن» يردّد مقولات لإدانة الإسهام الروسي في الحرب على الإرهاب بمعزل حتى عن منطقية هذه المقولات وإقناعها أبسط الناس. كيف مثلاً للتدخل العسكري الروسي أن يفك عزلة روسيا المفروضة من الاتحاد الأوروبي، في حين أنّ كلّ الحكومات الأوروبية انتقدت هذا التدخل أو وصفته بالفاشل أو التزمت مواقف حذرة منه .
أما عن الدوافع الاقتصادية وتشغيل المصانع فهذه المقولة مستمدّة من الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ زعم كثير من المحللين أنّ أسباب الحربين هو الهرب من الأزمة الاقتصادية ومحاولة إيجاد حلّ لها عن طريق الحرب، علماً أنّ الحربين أنهكتا اقتصادات الدول التي شاركت فيها في حين ازدهرت اقتصادات الدول التي لم تشارك في الحرب، أو كانت مشاركتها محدودة.
على أية حال، الحرب العالمية الأولى سببها بالدرجة الأولى التنافس بين الدول الأوروبية على اقتسام المستعمرات والاستيلاء على إرث الدولة العثمانية، والسيطرة على مصادر الطاقة، وانتشار الأسواق أما الحرب العالمية الثانية، فكانت نتيجة لرفض الدول التي هُزمت في الحرب العالمية الأولى لنتائج تلك الحرب، وعندما شكّل أدولف هتلر حلفه الدولي كان هدفه الأساس استعادة ما خسرته ألمانيا وحلفاؤها في الحرب العالمية الأولى.
على أية حال، ثمة مَن ردّد هذه المقولة بعد الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، وعلى الرغم من أنّ دوافع وأسباب هذا الغزو كانت واضحة، وتتلخص بالسيطرة على مصادر الطاقة في العراق وفي بحر قزوين، إلا أنه وجَد من يفسّر هذا الغزو بمحاولة إخراج الاقتصاد الأميركي والغربي من الركود الذي ضربه بدءاً من العام 2000 هذا مع العلم أنه بعد الغزو ونتيجة له، كما يقول الخبير الاقتصادي الأميركي الحائز على جائزة نوبل ورئيس فريق الاقتصاديين في عهد الرئيس بيل كلينتون، تصاعدت الأزمة وحدث الانهيار الكبير بدءاً من العام 2008 مؤكداً أنّ الحرب لا تقود إلى تعافي الاقتصاد، بل تقود إلى نتائج أخرى تسهم في تعميق الأزمة، ومعروف أنّ معدلات النمو في الولايات المتحدة وفي دول الاتحاد الأوروبي التي تشارك في حلف الناتو الذي يتحمّل العبء الأساسي للحرب في أفغانستان لا تزال تشير إلى بقاء الأزمة الاقتصادية، وحتى استفحالها. على العكس من ذلك إن أعلى معدلات للنمو الاقتصادي، ولا سيما في الولايات المتحدة، سُجِّلت عندما نأت واشنطن بنفسها عن الحروب، واعتمدت في تنفيذ سياستها الخارجية على القوة الناعمة، كان هذا على امتداد حوالي قرنين وتكرّر في عقد التسعينيات، ولكن عندما بدأت أميركا حرب فيتنام، خسرت جزءاً كبيراً من حصتها في إجمالي الناتج الدولي، وأدّت حروب غزو العراق وأفغانستان إلى زيادة حدّة أزمتها الاقتصادية، وارتفاع دَيْنها إلى معدلات غير مسبوقة، ما اضطر الكونغرس إلى تعديل سقف الدَّيْن أكثر من مرة.
يبدو أنّ مراكز الأبحاث الأميركية باتت بوقاً دعائياً وتخلَّت عن مهمتها الأصلية وهي تأصيل وترشيد الفكر السياسي الذي يوجّه صانع القرار في واشنطن والغرب.
(البناء)