بقلم غالب قنديل

نصرالله : أين العدو الرئيسي ؟

seyed

غالب قنديل

كلمة السيد حسن نصرالله قائد المقاومة اللبنانية في عاشوراء حملت اطروحة فكرية استراتيجية في فهم سائر التطورات والتناقضات التي تضج بها المنطقة بجميع بلدانها وساحات حروبها المتنقلة….

أولا على غرار القادة الوطنيين والزعماء الكبار لحركات التحرر في التاريخ المعاصر قدم السيد البراهين العملية والواقعية على صحة نظرته إلى الأمور بإحياء مقولة العدو الرئيسي والتناقض الرئيسي في فهم التعبيرات الثانوية والفرعية التي غالبا ما تنال عناية خاصة ومبالغة كبيرة في المشهد الإعلامي لصرف الانتباه عن الجوهري والأساسي ولإخفاء حقيقة الصراع الذي هو صراع من اجل الهيمنة على الثروات والأسواق ولفرض السيطرة السياسية والثقافية على الدول والمجتمعات بما يجعل الهيمنة الاستعمارية منظومة سائدة ومستمرة في كل الظروف .

حتى الدول الغربية الأخرى التي يتخيل كثيرون انها مستقلة في قرارها السياسي والاقتصادي هي في الواقع خاضعة للهيمنة ويمنع عليها اتخاذ قرار اوخيار مستقل عن الولايات المتحدة في أي من شؤون العالم المعاصر والأدلة كثيرة ومنها مؤخرا منظومة العقوبات ضد دولة كبرى كروسيا رغم الضرر الخطير اللاحق بالمصالح والاستثمارات الأوروبية الضخمة المقدرة بمئات المليارات وقبل ذلك منع الإدارة الأميركية كلا من بريطانيا وفرنسا وألمانيا من التعامل الاقتصادي مع إيران قبل حوالي عشر سنوات لخدمة الضغوط ومحاولات الإخضاع الأميركية وقد تخلت تلك الدول الثلاث عن عقود بعشرات مليارات الدولارات إذعانا للمشيئة الأميركية وهي اليوم تزحف ذليلة إلى طهران بحثا عن فرص استرجاع القليل مما فاتها بالأمر الأميركي.

ثانيا برهن أمين عام حزب الله في كلمته على ان المحرك الرئيسي لجميع الأحداث هو التناقض الرئيسي بين شعوب المنطقة والهيمنة الاستعمارية الأميركية التي تسخر جميع الأدوات المتاحة لإخضاع الشعوب والدول المتمردة ومن تلك الأدوات الحكومات الرجعية العربية والكيان الاستيطاني الصهيوني الغاصب لفلسطين وجماعات التكفير الإرهابية التي تغزو المنطقة بمختلف تلاوينها وتشكيلاتها متعددة الجنسيات.

البرهان على الترابط العضوي بين الكيان الصهيوني والاستعمار الغربي في المنطقة الذي تقوده الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية تحمله بقوة شتى وقائع الأحداث والتطورات في المنطقة طيلة اكثر من نصف قرن اما تبعية الحكومات العربية الرجعية للاستعمار فهي علاقة عضوية ينهب عبرها المستعمر الأميركي النفط والغاز ويسيطر على الأسواق ويعيد استثمار اموال النفط لحسابه في صفقات السلاح الضخمة التي تغذي ترسانة مكرسة في خدمة حروب الهيمنة كغزو اليمن واجتياح البحرين لضرب قوى الاستقلال والتحرر الرافضة للهيمنة الاستعمارية المباشرة ولهيمنة الوكلاء السعوديين وأتباعهم على السواء وحيث تعجز جيوش الغزو بالوكالة يستحضر الميركيون وأعوانهم الاحتياط الإرهابي التكفيري المتمثل بفصائل القاعدة وداعش وغيرها من تشكيلات ومنظومات عابرة للحدود يجري تشغيلها لاستنزاف الحكومات والحركات المتمردة على الهيمنة وهذا ما يجري في سورية والعراق ومصر وغيرها من دول المنطقة .

ثالثا الأصل في جهود الحشد الاستعماري هو فرض الهيمنة وتمزيق جبهة المقاومة والاعتراض وسحق عمليات التمرد الحكومي أو الشعبي عبر إشعال حروب وغزوات وحملات استنزاف وقتل جماعي وإبادة بيد أي من الأدوات العميلة سواء كانت حكومات الرجعية العربية ام الكيان الصهيوني ام جماعات الإرهاب والتكفير ام عبر جمعها معا في تناغم وتنسيق كاملين كما يحصل في سوريا منذ خمس سنوات .

في سياق تقصي عمل منظومة الهيمنة الاستعمارية أماط السيد نصرالله اللثام عن الخداع الأميركي المتمثل بادعاء العمل من اجل حرية الشعوب وحقوق الإنسان ونشر الديمقراطية بينما الولايات المتحدة تختار بمنطق مصالحها النفطية والسياسية حلفاءها الذين تدعمهم وتساندهم من بين أعتى الأنظمة وأشدها تخلفا واستبدادية كما هي حال المملكة السعودية وليس ادل على الخداع الأميركي من الدعم والاحتضان اللذين يحظى بهما الكيان الاستيطاني الصهيوني قوة الاحتياط العدوانية الحارسة للهيمنة الاستعمارية منذ اغتصاب فلسطين.

رابعا توقف السيد نصرالله في خطابه عند كذبة القنبلة النووية الإيرانية التي فضحها الرئيس فلاديمير بوتين وهي المثل الأقرب عن الدجل الأميركي فقد بنيت عليها لعقود من الزمن حلقة كاملة من الضغوط والعقوبات وتدابير الحصار والتهديدات العسكرية ضد إيران وكادت تشعل الولايات المتحدة بذريعتها حربا ضارية عالمية وإقليمية بينما القضية الأساسية كانت محاولة إخضاع دولة مستقلة متمردة على الهيمنة الاستعمارية تكافح من اجل التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي وتعمل لتنمية ثرواتها ومقدراتها الوطنية المستقلة وقد استطاعت بصمودها وبدعم حلفائها ان تفرض الاعتراف بحقوقها عن طريق التفاوض السلمي فكشفت لجميع شعوب الكرة الأرضية ان القنبلة المزعومة لم تكن سوى كذبة من اختراع الدولة العظمى المهيمنة على العالم .

الحقيقة المركزية التي يجب ان تكون حاضرة في صنع السياسات والخيارات الوطنية هي ان الولايات المتحدة من موقعها المهيمن اقتصاديا وسياسيا وعسكريا تقود منظومة عدوانية لإخضاع المنطقة وشعوبها ولتدمير مقومات أي نزعة استقلالية وتحررية وخطاب السيد هو دعوة فكرية ثقافية مفتوحة للنخب السياسية المناضلة إلى إعادة تنظيم الأولويات والتفكير في كيفية التحرك لوقف العدوان الاستعماري بقيادته الأميركية وبأدواته المتعددة ( الرجعية العربية بقيادة السعودية وإسرائيل وعصابات التكفير الإرهابية ) التي تخدم خطة استعمارية اميركية واحدة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى