مقالات مختارة

لقاء الأسد ــ بوتين: التحالف حتّى النصر عامر نعيم الياس

 

عاد الرئيس السوري بشار الأسد إلى دمشق بعد زيارة خاطفة ومفاجئة وغير معلنة ومليئة بالدلالات إلى موسكو، إذ التقى الرئيس الروسي في الكرملين وناقش معه سير العمليات العسكرية في سورية «وخطط الجيش السوري» الميدانية، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية.

البيان الذي نُشر بعد عودة الرئيس السوري إلى دمشق ركّز على إبداء الرئيس بوتين «استعداده للمساعدة في العمليتين العسكرية والسياسية في سورية»، مضيفاً أنّ الرئيس بوتين تعهّد «بإجراء اتصالات مع قوى دولية أخرى بغية التوصّل إلى حل سياسي بالتزامن مع مكافحة الإرهاب». هنا حضرت، وعطفاً على البيان، تصريحات مصوّرة للرئيس السوري أثناء اللقاء، تشرّع أكثر فأكثر التدخل العسكري الجوي الروسي في سورية التي لولا جهدها السياسي والعسكري «لكان الوضع في سورية أسوأ». يُلحظ هنا التماهي في الخطابين الرسميين السوري والروسي إلى حدٍّ يرسم بشكل واضح أكثر من ذي قبل حجم العلاقة وعمق التحالف وتواتر التنسيق بين رأسَي الدولة في سورية وروسيا هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن الزيارة الخاطفة للرئيس إلى الكرملين أرادت في المجمل إيصال الرسالة التالية إلى مَن يهمه الأمر، ومَن لا يريد أن يفهم أسباب التدخل العسكري الروسي في سورية والمعادلة الجديدة التي أرساها وتلك الرسالة تتعلق بشخص الرئيس الأسد الذي بات هاجساً يومياً ووحيداً في مخيلة الحكام في أنقرة والرياض. فالرئيس بوتين «شكر نظيره السوري على قبوله الدعوة لزيارة موسكو». وفي هذه الجملة المدروسة بعناية تأكيد على الترحيب والدعم والعلاقة الشخصية التي تجمع الرئيسين اللذين مضى على لقائمها الأخير في 19 كانون الأول 2006 حوالي عشر سنوات، بعد لقاء أول جمعهما في كانون الثاني من العام 2005. ربما الرئيسان تجمعهما علاقة أبعد من المصالح الاستراتيجية واعتبارات الأمن القومي هكذا تقول «لوموند» الفرنسية في تقرير أعدّه مراسلها في موسكو قبل يومين من زيارة الرئيس الأسد إلى العاصمة الروسية التي ترى في وصول بوتين والأسد إلى السلطة العام ألفين «عاملاً مشتركاً» يتعدّى الصدف التاريخية ربما يفسّر هذا جزءاً من كلام وزير الخارجية السورية وليد المعلّم خلال اللقاء الأخير الذي جمعه والرئيس الروسي في سوتشي عن إرسال بوتين «سلاماً حاراً للرئيس الأسد».

إن حجم التنسيق بين العسكر الروسي والسوري بعد العملية العسكرية في سورية وقبلها، فضلاً عن التنسيق السياسي «المتواصل وشبه اليومي»، وفق كلام وزير الخارجية السورية في أحد مؤتمراته الصحافية، يجعل من الاستقبال الشخصي للرئيس السوري في الكرملين اعترافاً قاطعاً لا رجعة عنه بشرعية الرئيس السوري المنتخَب، وغياب الإشارة، أي إشارة، إلى مستقبل الرئيس السوري رغم الحديث عن العملية السياسية، يعكس، ليس ثانوية الملف على جدول أعمال الرئيسين، بقدر ما يعكس شطب هذا الملف من أجندة العمل الروسية. فالرئيس الأسد سيكمل ولايته، وفي حال التوصّل إلى حل سياسي فإن مستقبل مَن سيكون في قصر المهاجرين تحدّده صناديق الاقتراع وليس أي عامل آخر.

التقى بوتين الأسد والصورة تظهر وراءه وزيرا الخارجية والدفاع جناحا العلاقة السورية الروسية الاستراتيجية بكل ما للكلمة من معنى، فيما أكّد الرئيس السوري محورية التوصل إلى حل سياسي في النهاية، لكن الأهم سير العمليات العسكرية وتأمين استمراريتها في ضوء نجاحات دفعت كلاً من القائد العام للجيش والقوات المسلحة في سورية وروسيا للاجتماع من أجل وضع تصوّر عام واستراتيجي للمرحلة المقبلة في ضوء التقدم النوعي الذي حصل في المرحلة الأولى من العمليات العسكرية الروسية الجوية والبرية للجيش السوري في مواجهة المجموعات الإرهابية المسلّحة فلا صوتَ يعلو على صوت المعركة الوجودية لكلٍّ من سورية وروسيا في الشرق، ولا أولوية تتجاوز أولوية الخطة العسكرية الشاملة للحرب على الإرهاب واجتثاثه، والمراحل المقبلة ستشهد مزيداً من الانخراط العسكري والتحوّلات الميدانية المطلوبة، خصوصاً في المدى المتوسّط.

عشرون يوماً كانت كفيلة بلقاءٍ طال انتظاره حوالي عشر سنوات، بين رجلين، الأول وقف بثبات إلى جانب سورية ومنع تفتيتها وحفظ وحدتها وقارع الهيمنة الأميركية نحو عالمٍ متعدد الأقطاب، واليوم يضرب كل الانتقادات الغربية لعمله العسكري في سورية عرض الحائط، فيما الآخر صمد واستطاع بصبره تثبيت عدالة القضية التي يدافع عنها وحارب العالم من أجل سورية الموحّدة. ربما تختصر لوموند الفرنسية نظرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره السوري بشار الأسد الذي يصفه سيّد الكرملين بـ«المقاوم» الذي يتوّجب التحالف معه حتى النصر.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى