بقلم ناصر قنديل

وزير الخارجية العبقري

nasser

ناصر قنديل

– يُعتبر منصب وزير الخارجية في الدول التي تشتغل على مكانتها الدولية والإقليمية، وتتصدّى لأدوار تتخطّى حدودها، وتمتلك مكانة في الجغرافيا السياسية لإقليمها، وتختزن موقعاً جغرافياً وإرثاً دينياً وموارد تجعلها قبلة أنظار العالم كحال المملكة العربية السعودية، المنصب الثاني في الدولة بعد الملك. وفي حال وجود وليّ عهد قويّ يكون الرجل الثالث في أسوأ الأحوال، ولهذا وقع اختيار الملك سلمان على العبقري عادل الجبير وزيراً لخارجيته في خطوة نقلت للمرة الأولى هذه الوزارة الهامة من أبناء العائلة المالكة، وأخرجت منها نجل ملك سابق هو عبد العزيز بن عبد الله، فمَن هو عادل الجبير العبقري؟

– مواقف وزراء الخارجية، خصوصاً الذين ينتمون إلى السلك الدبلوماسي لسنوات قبل تولي رئاسة هذا السلك، تتسم بالحصافة والاتزان والدقة، وتحكمها حسابات قوامها الحذر والأناة وحسن اختيار التعابير، والتحسّب للوقوع في التناقض، وقول الشيء وعكسه، أو قول الشيء ونفيه، أو قول الشيء وترك الأيام تتولّى تكذيبه، ولو بعد سنوات فكيف بعد أيام وأسابيع؟

– في 29-4-2015 عُيّن عادل الجبير وزيراً لخارجية السعودية بعدما أمضى قرابة العشرين عاماً في السلك الدبلوماسي السعودي في العاصمة الأهمّ في العالم واشنطن، كان من مآثره خلالها دوره في تسمية الكاتب الأميركي توماس فريدمان مستشاراً للملك السابق عبدالله بن عبد العزيز ليتولى تحويل مقالة له في «نيويورك تايمز» إلى نصّ المبادرة العربية للسلام، فماذا تقول بعض سيرة الجبير ولم يمضِ عليه سبعة شهور من تولّيه الوزارة؟

– يحلو للجبير استعمال الصيغة المعتمدة في وزارات الخارجية بإصدار المواقف الرسمية بلسان مصدر رسمي سعودي، ففي 14-7-2015 نقلت شبكة «سي أن أن» عن مصدر رسمي سعودي هو الجبير شخصياً تعليقاً على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، يقول فيه إنّ بلاده سيكون لها ردّ قوي على اتفاق النووي الإيراني، قائلاً أيضاً إنّ إدارة أوباما ارتكبت خطأ تاريخياً.

– بعد أقلّ من شهرين وتحديداً في 4-9-2015، وبعد انتهاء قمة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير «إنّ السعودية تشعر بالارتياح إزاء تأكيدات الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن اتفاق إيران النووي وتعتقد أنه يُسهِم في تحقيق الاستقرار بالمنطقة».

– في 17-8-2015 وبعدما نجحت المساعي الروسية في إقناع السعودية بشخص ولي ولي العهد وبرعاية والده الملك بعقد أول لقاء سوري سعودي ضمّ محمد بن سلمان واللواء علي المملوك رئيس مجلس الأمن الوطني في سورية، أصدر الجبير بلسان مصدر رسمي سعودي، تفسيراً للقاء ينسف ما كان مفترضاً ومرجواً من اللقاء وقدّم له تفسيراً عبقرياً أثبتت الأيام صوابيته، فقال: «ليس التباهي بتلويم السعودية، وغيره من الخطاب الدعائي! وليس بمقدور المملوك التباهي بإيران وميليشياتها حينها، كون الأسد كان يشعر بالحنق لعلمه بتفاصيل المفاوضات مع حليفيه روسيا وإيران، بل كان يشعر بالرعب كون المفاوضات وصلت حدّ التساؤل: «ومَنْ يقبل استضافة الأسد؟»، والقصة ليست بالإيرانيين وحدهم، بل والروس الذين باتوا يناقشون مرحلة ما بعد الأسد، فالوفد الروسي الذي حضر لقاء مملوك مع السعوديين لم يرافقه على نفس الطائرة، وحضروا بطائرة أخرى ليكونوا شهوداً، وليس طرفاً ضامناً للأسد الذي يعي أنّ سحب موسكو لرعاياها من سورية أمر جادّ، ناهيك عن الموقف الروسي من القرار الأممي رقم 2216 الخاص باليمن». ويختم الجبير مصدره بالإشارة إلى «أنّ السعوديين حقّقوا أمرين هامين: أوّلهما: تعرية الأسد أمام الروس، وإثبات أنّ الإرهاب في سورية ليس سببه الوقوف ضدّ جرائم الأسد، فالإرهاب السُنّي بلا دولة راعية، بينما الإرهاب الشيعي في سورية برعاية إيران. والأمر الثاني: إن السعوديين أثبتوا للمرّة الألف أنّ لا صدقية للأسد، وإنهم يحاربون الإرهاب بلا هوادة».

– في 27-9-2015، أي بعد أقلّ من شهرين جاءت مصداقية كلام الجبير بـ«تعرية» الرئيس السوري بشار الأسد أمام «الأصدقاء الروس»، فوصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعم الولايات المتحدة لقوات المعارضة في سورية، بأنه غير مشروع وغير مجدٍ، وقال إنّ قوات المعارضة التي تلقّت تدريباً أميركياً، غادرت للانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية داعش بأسلحة زوّدتها بها واشنطن». وقال في مقابلة مع شبكات تلفزة أميركية، «في رأيي تقديم دعم عسكري لكيانات غير مشروعة يتعارض مع مبادئ القانون الدولي الحديثة وميثاق الأمم المتحدة». وأضاف بوتين أنّ الرئيس السوري بشار الأسد يستحق دعماً دولياً في حربه ضدّ المنظمات الإرهابية، مؤكداً أنّ دعم بلاده لحكومة الأسد ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة. وقال إنّ دعم موسكو لدمشق يتمثل في توريد أسلحة للحكومة السورية وتدريب قواتها المسلحة، وتقديم مساعدات للشعب في سورية.

– في 30-9-2015 كانت روسيا تنفذ أولى غاراتها الجوية في سورية ضدّ الجماعات التي تساندها السعودية بالتنسيق مع الجيش السوري وبطلب من الرئيس الأسد، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وكان الجبير قد نسي ما قاله عن التعرية، وردّ على الموقف الروسي بعنف. ففي 9-10-2015 قالت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» نقلاً عن مصادر سعودية، معلوم أنها الجبير شخصياً، «إنّ الرياض تنوي تزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية رداً على الغارات الروسية على سورية»، وأضاف «أنّ بلاده ستردّ على التدخل العسكري الروسي في سورية بتزويد مجموعات من المعارضة بسلاح نوعي». وتابع المصدر أنّ إمدادات من الأسلحة الحديثة، بينها أسلحة موجهة مضادّة للدبابات، سيتمّ تقديمها إلى 3 مجموعات من قوات المعارضة، هي «جيش الفتح» و«الجيش الحر» و«الجبهة الجنوبية». وشدّد المصدر على أنّ توريدات الأسلحة لم تشمل تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، وذلك على الرغم من أنّ الأخير يمثل أساس قوات تحالف «جيش الفتح»، كما قالت «بي بي سي». وفي اليوم التالي كانت وزارة الدفاع الروسية تُعلن اسم «جيش الفتح» على رأس لائحة من استهدفتهم غارات طائراتها. وفي 12-10-2015 كرّر الجبير كلام التحدّي، فقال مصدر سعودي إنّ مسؤولين سعوديين أبلغوا نظراءهم الروس أنّ «التدخل العسكري الروسي في سورية ستكون له عواقب وخيمة».

– رفض وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الثلاثاء 29-9 – 2015، في نيويورك المبادرة الروسية بشأن الرئيس السوري، وقال إن «أمام بشار الأسد خيارين: إما أن يرحل أو أن يواجه خياراً عسكرياً».

– في 19-10-2015 أكد الجبير، في مؤتمر صحافي مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير في الرياض، أنه «يجب أن يتنحّى الأسد بعد تشكيل الهيئة الحكومية الانتقالية». وأضاف «يجب ألا يكون للأسد أي دور في الحلّ السياسي»، مشيراً إلى أنه يستطيع البقاء خلال عملية تشكيل السلطة الانتقالية «ولكن ما إن تُشكَّل هذه الهيئة وتصبح قادرة على الحكم، لا دور للأسد حينها»، وتابع «إذا تمّ الأمر اليوم أو بعد أسبوع أو خلال شهر، الشعب السوري هو مَن يقرّر ؟؟؟؟؟؟ ، ولكن الواضح منذ بداية النزاع أن لا مستقبل للأسد في سورية»، ما يعني قبولاً ضمنياً ببقاء الأسد إذا ما فاز بالانتخابات ؟؟؟؟؟؟ . دقيق الجبير في اختيار تعابيره والانسجام مع مواقفه لمدة لا تزيد عن عشرين يوماً!

– في 24-9-2015 أفادت مصادر سعودية، هي الجبير نفسه، أنه «أثناء تأدية مشعر منى في مكة المكرمة اليوم الخميس، تعثّر الحجاج إثر تدافعهم عند مدخل جسر الجمرات، ما أدّى إلى وفاة أكثر من 100 حاج، فيما أصيب 400 آخرون بجروح متفاوتة».

– في 18-10 2015 أعلنت وكالة «أسوشيتد برس» أن عدد قتلى كارثة الحجّ النهائي هو 2246 وأنّ عدد الجرحى يتخطّى الآلاف.

– في 3-9-2015 اتهم الاتحاد الأوروبي السعودية بالتهرّب من مسؤولياتها تجاه اللاجئين السوريين، وفي 15-9-2015 أعلن الجبير، بلسان مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية، أنّ المملكة استقبلت منذ اندلاع الأزمة في سورية، ما يقارب مليونين ونصف المليون مواطن سوري!!! مؤكداً حرص المملكة على عدم التعامل معهم كلاجئين، أو وضعهم في معسكرات لجوء، حفاظاً على كرامتهم وسلامتهم، ومنحتهم حرية الحركة التامة، ومنحت لمن أراد البقاء منهم في المملكة الإقامة النظامية أسوة ببقية المقيمين، بكلّ ما يترتب عليها من حقوق في الرعاية الصحية المجانية والانخراط في سوق العمل والتعليم.

– يبقى أن نعرف سرّ هذه العبقرية؟

– في إشارة إلى ما يميّز شخصية هذا الشاب السعودي عادل الجبير بعد تولّيه سفارة بلاده في واشنطن، وصفته «واشنطن بوست» بـ«عاشق مناديل الجيب»، في حين أنه كان إذا سافر الرياض يرتدي غترته وثوبه، ويضحك مع أصدقائه الأميركيين قائلاً: إنّ السعوديين يحبون ارتداء الشراشف البيضاء، وقالت، من المعروف عن الجبير أنه دائماً ما يفتخر بكونه لا يطيق اللباس الوطني السعودي، وبكونه أعزب، ومن الأعضاء المميّزين لجماعة «مقهى ميلانو» في واشنطن ومرة يصف نفسه بالممثل كوجاك وأخرى بـ مايكل جوردان لاعب السلة.

– قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن الجبير، أنه «ظلّ منذ مطلع التسعينيات على اتصال وتنسيق مع الجماعات اليهودية»، بما فيها منظمة «إيباك»، في ما وصفه رئيس اتحاد مكافحة التشهير اليهودي الأميركي إبراهام فوكسمان بأنه «يفهم أميركا ويخبرك دوماً بما تريد أن تسمع».

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى