روسيا و«أفغنة» سورية: مَن الذي سينتقم؟ عامر نعيم الياس
مَن ينتقم ممّن؟ سؤال يجب طرحه في سياق الحديث عن التواجد العسكري الروسي في سورية الذي فاجأ بقوته الجميع من دون استثناء سواء من حلفاء سورية والجمهور المؤيد للدولة فيها، أو سواء من المحور المعادي لسورية وعلى رأسهم الدول الإقليمية التي أصابتها هيستيريا تجلّت بمحاولة أمير سعودي يُعدّ الأصغر سناً في العالم من حيث المنصب الذي يشغله بشراء الموقف السياسي لموسكو. نعم يقدّم السعودي رشوة للروسي في سورية بعد استخدامه الفيتو مرات أربع، والدخول الروسي المباشر على خط العمليات العسكرية في سورية غير المقيّد بجدولٍ زمني.
لا يرى الأميركيون روسيا سوى قوة إقليمية ضعيفة، حتى اللحظة لا يريدون الخروج من هذا الوهم والعودة إلى لعبة عالم متعدّد الأقطاب، وإدارة العلاقات الدولية مع الوريث الشرعي والمستحقّ للاتحاد السوفياتي، وعليه يُصرّ الأميركيون على العودة إلى الماضي في إدارة تجاربهم مع موسكو، ومنها ما حدث خلال الثمانينيات من القرن الماضي في الحرب الأفغانية، هذه التجربة التي وضعت السعودية بجهادييها على الأرض وبأموالها في خدمة تسليح الجهاديين من دون اضطرار واشنطن للصدام المباشر مع الاتحاد السوفياتي حينذاك، ما أدّى إلى تزويد الإرهابيين الأفغان بآلاف الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف والتي قلبت الموازين ودفعت الاتحاد السوفياتي إلى اتخاذ قرار الانسحاب من أفغانستان بعد فقدانه 290 مروحية في المواجهة مع الجماعات الإسلامية المتطرفة.
في سورية يعود الأميركيون إلى اتباع الأسلوب ذاته عبر «التعامل» لا «التعاون» مع الأمر الواقع الروسي على الأرض السورية ومحاولة حفظ أرواح الجنود الأميركيين بضمان عدم تصادم الطائرات الروسية والأميركية في سماء سورية. وهنا يحضر الوجود الجوي الأميركي باعتباره جزءاً من النفوذ المسلّم به لتحالف أوباما في الأجواء السورية. نفوذٌ سمح تحت غطاء «التنسيق» بإلقاء خمسين طناً من الأسلحة الأميركية إلى القوى التي تحارب الدولة السورية، وإن ذهب بعضٌ منها إلى الأكراد الذين يصوغون صورة العدو في أي منطقة وفق أولوياتهم الخاصة. لكن التعامل مع الروس يقف عند الحديث عن التنسيق الكامل والتعاون البنّاء لمحاربة «داعش»، لا بل إن المرحلة الأساس في سورية هي الرهان على الأفغنة لضرب المروحيات الروسية التي أمّنت في المعارك البرية الغطاء اللازم لاندفاعة القوات السورية غير المسبوقة على الأرض، إذ يظهر هذا الرهان جلياً من تحذير وزارة الخارجية الروسية للدول التي ستدعم هذا التوجّه، خصوصاً الإقليمية منها، لا سيما أن التحذير أتى بعد زيارة وزير خارجية آل سعود إلى أنقرة للقاء ساسة «العدالة والتنمية» الذين لم يعودوا في وارد التراجع عن لعب دور باكستان الشرق.
فقد أعلن نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون مكافحة الإرهاب أوليغ سيرومولوتوف أنه «توجد دلائل تشير إلى محاولة الإرهابيين الحصول على منظومات صواريخ جوية متنقلة محمولة على الكتف غربية الصنع في الدول الإقليمية المجاورة لسورية»، مؤكداً أن «توريد هذه المنظومات لأي من المجموعات الإرهابية في سورية سيعني أن الدولة التي فعلت ذلك وقفت عملياً إلى جانب الإرهاب الدولي، مع كل العواقب المترتبة على ذلك، وأريد أن يتم الاستماع إلى ذلك كتحذير جدّي».
التحذير الروسي «الجدّي» يتزامن مع تأكيد الدولة الروسية على لسان كبار مسؤوليها أن معركتها في سورية هي معركة «أمنها القومي»، وبالتالي فإن الرهان على التراجع فيها تحت الضغط لن يؤتي ثماره، ومن الواضح أن صانع القرار الروسي، الذي أشار إلى وجود محاولات ودلائل لشراء أنظمة صواريخ محمولة على الكتف للإرهابيين في سورية، يضع في حساباته سيناريو الأفغنة، ويشرّع الباب على مصراعيه للمواجهة من أجل مصالح موسكو الحيوية أولاً، وثانياً من أجل إعادة الهيبة المكسورة للجيش الروسي منذ الحرب الأفغانية. تلك الهيبة وهذا الإرث القومي الحضاري الذي يشكّل المدخل الأساس لفهم شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولفهم طبيعة المجتمع الروسي الذي انتفض على سنوات الخنوع التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي مدركاً فداحة الخسارة الاستراتيجية الفادحة التي تعرّض لها. تلك الخسارة التي طوّر الروس من أجلها الأسلحة من الجيلين الرابع والخامس وأدخلوها في الخدمة في صفوف الجيش الأحمر، واليوم يتمّ عرضها على وسائل الإعلام في أسلوب يحاكي الأسلوب الأميركي للترويج وقيادة الحرب النفسية من أجل ردع مَن يراهن على الأفغنة فهل يقف الرهان الإقليمي الغربي عند هذا الحدّ أم تتطوّر المعركة ويُترك للعسكر الروس وأسلحتهم إسقاط آثار التجربة الأفغانية للجيش الأحمر من العقل الجمعي الغربي؟
(البناء)