روسيا في سورية ودروس التجربة الأفغانية حميدي العبدالله
أعلن نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون مكافحة الإرهاب أوليغ سيرمولوتوف «أنّ محاولة توريد صواريخ محمولة للإرهابيين في سورية ستعتبر مساعدة مباشرة لهم مع كافة الآثار المترتبة على ذلك». وأضاف «إنّ توريد هذه المنظومات لأيّ من المجموعات الإرهابية في سورية سيعني أنّ الدولة التي فعلت ذلك وقفت عملياً إلى جانب الإرهاب الدولي مع كلّ العواقب المترتبة على ذلك» وختم «أريد أن يتمّ الاستماع إلى ذلك كتحذير جدي».
ماذا يعني هذا الكلام الحازم والواضح؟
يعني أنّ روسيا الحالية غير الاتحاد السوفياتي، فإذا كان الغرب ودول المنطقة يسعون إلى إعادة إنتاج التجربة الأفغانية، أيّ تسليح المعارضة بأسلحة مضادّة للطائرات لإسقاط الطائرات الروسية التي تشارك إلى جانب الجيش السوري في الحرب على الإرهاب، كما حدث في أفغانستان في عقد الثمانينيات، حيث خسرت روسيا 270 طائرة، فإنّ هذا لن يحدث مرة أخرى أيّ أنّ ردّ روسيا هذه المرة سوف يختلف، وسيكون الردّ حازماً، هذا ما عناه سيرمولوتوف بقوله «أريد أن يتمّ الاستماع إلى ذلك كتحذير جدي»، وقوله «ستعتبر مساعدة مباشرة لهم أيّ الإرهابيين مع كافة الآثار المترتبة على ذلك». هكذا فإنّ روسيا مستعدّة لضرب الدول التي تسمح بوصول هذه الأسلحة إلى الإرهابيين في سورية، وليس الاكتفاء بمواجهتها داخل الأراضي السورية، كما كان يحدث في أفغانستان، وهذه الدول حصراً هي تركيا والأردن، لأنّ روسيا اليوم لن تقف مكتوفة الأيدي وتحصر ردّها بالدفاع بكلفة عالية، كما حدث في أفغانستان.
إنّ روسيا اليوم تختلف عن روسيا السوفياتية في أمرين جوهريين، وهذا يفسّر هذا الموقف الحازم:
ــــــ الاختلاف الأول، يكمن في طبيعة النخبة الحاكمة القائدة للمجتمع والدولة، في الاتحاد السوفياتي كانت النخبة مكوّنة في السنوات الأولى مما أسماه لينين «الأنتلجنسيا» وهي التي قادت الدولة والمجتمع، وفي السنوات الأخيرة آلت السيطرة إلى ما بات يعرف بـ«النوموكلا تورا»، وهي البيروقراطية التي كانت تهيمن على الدولة والمجتمع في الاتحاد السوفياتي، لكن «النوموكلا تورا» على عكس «الأنتلجنسيا» كانت لديها ميول وتطلعات مناهضة للاشتراكية والشيوعية. وهذا ما يفسّر أنّ كلّ أعضاء المكتب السياسي في النصف الثاني من عقد الثمانينيات وعلى رأسهم غورباتشوف ويلتسين وشيفارنادزة وحيدر علييف كانوا من أنصار الغرب، وكانوا يتمنّون خسارة الحرب في أفغانستان لتوظيف الهزيمة لكسب المعركة داخل الحزب الشيوعي السوفياتي لمصلحة خياراتهم. ولهذا عارضوا أيّ ردّ فاعل ضدّ التدخلات الغربية وتدخلات دول المنطقة في الشؤون الأفغانية.
ـــــ الاختلاف الثاني، أنّ النظام في روسيا اليوم هو نظام رأسمالي والنخبة الحاكمة لديها مصالح جيوسياسية وجيواقتصادية لا يمكن التساهل إزاء مسّها من أيّ جهة، وهي نخبة حيوية، ولديها الاستعداد للذهاب بعيداً في الدفاع عن مصالح روسيا على عكس ما كانت عليه حال النخبة السوفياتية في عهد غورباتشوف أثناء الحرب الأفغانية.
هذه الاختلافات يحب أن يأخذها الغرب ودول المنطقة على محمل الجدّ، وأيّ تجاهل لذلك ستدفع الدول التي أساءت الحساب ثمناً باهظاً.
(البناء)