مقالات مختارة

في وجه شياطين الباطل تعالوا نقُل: هيهاتِ منّا الذلة! العلامة الشيخ عفيف النابلسي

 

تطلّ علينا عاشوراء هذا العام وشعوبنا العربية والإسلامية مُتعَبة. مُتعَبة من كلّ شيء، ويائسة من فائض المصائب التي تحيل الحياة حزناً متواصلاً. ما يحصل من فتن وقتل وتدمير وهتك للأعراض وتدنيس للقيم يُشعر بالخجل من أمة لديها كل ما تحتاجه لتصبح رائدة عالية عزيزة مقتدرة رحيمة محبة، ولكنها اختارت التفاهات والسفاسف والهمجية والرعونة والحقد والتعصب والطائفية على الحبّ والشهامة والإيثار. فمن أين جاء كل هذا الخواء وهذا الهذيان؟ نعم لو عُدنا إلى كربلاء وما حلّ بأهل بيت رسول الله ص لحصلنا على صورة كاملة تعكس الكثير من المآسي المستمرة والتحولات الفكرية والنفسية والاجتماعية التي جعلت الظلمة تخيّم على العرب والمسلمين قروناً عديدة. هذا المصاب لم يكن حدثاً عادياً، لم تكن قضية في واقعة وانتهت، إنما كانت قضية الأمة ودستورها وقرآنها ووحيها وثقافتها ونبيها، كانت الأمة كلها في هذا المصاب مصابة بعقلها ودينها وثقافتها وتوجهاتها السياسية والدينية والثقافية وما تملك هذه الأمة من قيم وفضائل إلهية. في كربلاء صراع تمثَّل بين الحق والباطل وبين الخير والشر، بين الحق الذي يمثّله الحسين والشرّ الذي يمثله يزيد. فلم تكن القضية أبداً بين شخصَين أي بين الحسين ويزيد، وإنما كانت بين القيم الربانية التي يمثلها الحسين ع وبين الصفات الرذيلة التي يمثلها يزيد، بين القيم الشامخة التي يتطلع الناس إليها عن طريق الحسين وبين بقايا رذالات الجاهلية التي يمثلها الخط اليزيدي السيّئ الذي نجد له في كل عصر امتداداً هنا وعلواً هناك. ومن الوضوح بمكان أن نقول إن الإدارة الأميركية الشيطانية وحلفاءها في المنطقة وعلى رأسهم «إسرائيل» الصهيونية والسعودية الوهابية يمثلون الخط اليزيدي الذي يستعلي بالظلم والقهر والإفساد ويستعمل كلّ وسيلة لإطفاء نور الحق والسلام والرحمة.

في واقعنا الحالي يمكن القول إنّه لولا هشاشة الأنظمة المسماة إسلامية وتلك المسماة عربية لما وصلنا إلى هذه الحالة التي تطغى على شعوبنا في المنطقة: من فقر فتخلّف ففوضى وفتن إلى سقوط أراضٍ ومقدسات بيد أشدّ الناس عداوة لله ورسوله وللمؤمنين. وإذ كان ارتداد عرب الخليج طبيعياً وعاملاً معززاً للكارثة التي تحل في بلادنا، فإن وصول التكفيريين إلى هذا الحجم من القدرة والإمكانات، جعل المنطقة تشتعل بنار الحقد والمذهبية وتتجه ليغمرها طوفان التدخلات الخارجية.

ولذلك نحن أمام مدّ صراعي كبير سيأخذ زخماً أكبر في الأشهر المقبلة. لكن المعطى الأبرز هذه الأيام هو ما يحصل في فلسطين.

فلسطين التي سادها ما ساد قديماً، هي اليوم أمام خطر من نوع آخر لأننا أمام ظرف آخر وزمن آخر. لا العرب عرب، ولا المسلمون مسلمون، ولا القضية هي القضية. فلسطين في خطر لأنّ هناك قراراً استراتيجياً غربياً لإنهاء القضية الفلسطينية، ولأنّ هناك قراراً استراتيجياً «إسرائيلياً» لتهويد القدس بشكل كامل ونهائي، ولأنّ هناك قبائل عربية تتصارع على ما كانت تتصارع عليه في داحس والغبراء، ولأنّ هناك أمماً إسلامية غاب الاعتصام بحبل الله عنها فاستثمرت راية الجهاد بالفتنة والفرقة، ولأنّ هناك قيادة فلسطينية غير مؤهلة لقيادة الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه، لأنّ كلّ ذلك يحصل ففلسطين في خطر!

وإذا كان هناك من فرصة حقيقية لتغيير الواقع، فهي في الشعب الفلسطيني الأبيّ، والشعوب العربية والإسلامية التي تحمل بصيرة في الموقف، وصفاءً في القلب، وشجاعةً في العمل. وهي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي وقفت بكل قوة إلى جانب قضايا المستضعَفين، ولا سيما قضية الشعب الفلسطيني. وهي في المقاومة الإسلامية في لبنان التي كان همها الأول فلسطين وقضيتها الأولى فلسطين.

في هؤلاء نحن أمام فرصة أمل وانتصار. في هؤلاء يمكن أن تستعيد الحياة بهاءها. في هؤلاء يمكن أن يكون المستقبل واعداً. الحسين يحيا عندما نُحيي قيم الحق وندافع عن أعراضنا وكراماتنا وشرفنا. عندما نواجه الطغيان والجبروت الإسرائيلي والتكفيري ونردّد سويّاً شعار الإمام الحسين «هيهات منّا الذلة»، فعندئذ لن يبقى احتلال ولا طاغية ولا استعمار يريد أن يسلب خيراتنا أو يحتل أرضنا لنبقى له عبيداً خانعين.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى