تقارير ووثائق

الوجه الجديد لـ «حزب العدالة والتنمية» في تركيا سونر چاغاپتاي, جيم يولبولان, و أنجليكا كيلينج

 

تقييم التصويت للمجلس المركزي في أيلول قبل انتخابات تشرين الثاني

8 تشرين الأول/أكتوبر 2015

في 12 أيلول/ سبتمبر، اجتمع 1445 مندوباً من «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا في مؤتمرهم السنوي لإعادة انتخاب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو رئيساً للحزب. وقد أدلى المجتمعون أيضاً بأصواتهم لانتخاب أعضاء “المجلس المركزي للإدارة والتخطيط ” (“المجلس المركزي”)، الذي هو مجلس إدارة الحزب ويتألف من 50 عضواً؛ وقد انتُخب 31 عضواً جديداً – أي ما يساوي معدّل تغيير هائل بنسبة 62 في المائة، مما يشكّل المرة الأولى في تاريخ الحزب التي استُبدلت فيها غالبية أعضاء المجلس بأعضاءٍ جدد.

ويُعدّ “المجلس المركزي” أرفعَ هيئة دائمة لصنع القرار في الحزب، وهو مسؤول عن تحديد مواقف «حزب العدالة والتنمية» من القضايا السياسية وتنفيذ السياسات وصياغة استراتيجية الانتخابات. وقد خسر الحزب، في انتخابات السابع من حزيران/ يونيو، أغلبيته البرلمانية التي حافظ عليها لمدة ثلاثة عشر عاماً، فتقلّصت حصّته من الأصوات بنسبة 20 في المائة عن الانتخابات السابقة. وبينما تستعدّ تركيا لإجراء انتخابات مبكرة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، يشير التغيير الذي طرأ على عضوية “المجلس المركزي” إلى ظهور «حزب العدالة والتنمية» بوجهٍ جديد. فمتوسّط العمر في المجلس المقبل أكبر سناً ويتّسم بهيمنةٍ أكبر للذكور. ويضمّ المجلس كذلك المزيد من الأعضاء الذين انضمّوا إلى الحزب في المراحل الأولى من تبوّئه السلطة، بالإضافة إلى المزيد من الموالين للرئيس رجب طيب أردوغان، الرئيس السابق لـ «حزب العدالة والتنمية» الذي لا يزال يمارس نفوذاً كبيراً على الحزب. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إعادة الاصطفاف ستساعد الحزب على استعادة أغلبيته التشريعية الشهر المُقبل؟

المجلس المنتهية ولايته

يكشف تحليل عضوية “المجلس المركزي” المنتهية ولايته أنماطاً أساسية حكمت هيكلية «حزب العدالة والتنمية» قبل عملية التجديد في 12 أيلول/ سبتمبر.

الخلفية السياسية

         النظرة الوطنية [“رؤيا الملّة”]: تنحدر الأحزاب الإسلامية في تركيا من «حزب الرفاه»، الذي روّج لأيديولوجية تُدعى “رؤيا الملّة”، وهي نسخةٌ مُخَفَّفة عن العقيدة الإسلامية التي تعتمدها جماعة «الإخوان المسلمين». وفي عام 1998، حلّت المحكمة العليا التركية «حزب الرفاه» لاضطلاعه بأنشطة إسلامية تخالف الدستور. فأسّس حينها كوادر الحزب «حزب الفضيلة»، غير أنّ المحكمة حلّت هذا الفصيل أيضاً في عام 2001. وفي وقتٍ لاحقٍ، انقسم التيار الإسلامي إلى اثنين، منتجاً «حزب العدالة والتنمية» الذي ينتمي إليه أردوغان، والحزب الأصغر والمتشدّد الذي سُمّي «حزب السعادة». وقبل انتخابات المجلس في الشهر المنصرم، كان 14 عضواً من “المجلس المركزي للإدارة والتخطيط” (أي ما نسبته 28 في المائة) تابعين لـ “رؤيا الملة”، أي كانوا أعضاءً في «حزب الرفاه» و«حزب الفضيلة».

         الوسط ويمين الوسط: شغل الأفراد الذين انتموا في الماضي إلى «حزب الوطن الأمّ» الوسطي أو إلى تيارات يمين الوسط مثل «حزب الطريق القويم» أربعة مقاعد في “المجلس المركزي” (أي ما نسبته 8 في المائة). وشكّل هذان الحزبان في السابق أركان الوسط السياسي المهيمن في تركيا، لكنّهما انهارا بعد انتخابات عام 2002 التي أوصلت «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة. ومنذ ذلك الحين، انضوى الكثيرون من ناخبي «حزب الوطن الأمّ» و«حزب الطريق القويم» تحت راية «حزب العدالة والتنمية».

         الأعضاء الأصليون: شغل الأعضاء المؤسسون في «حزب العدالة والتنمية» نصف مقاعد “المجلس المركزي” المنتهية ولايته، وهم إمّا قادة محليون/ شبابيون دخلوا المعترك السياسي مع الحزب في عام 2001، أو أعضاءٌ انضمّوا إليه خلال الحكومتين الأولى والثانية لـ «حزب العدالة والتنمية» (بين عامي 2002 و2011).

         الوجوه الجديدة: لم يكن في سجلّات سبعة أعضاءٍ من “المجلس المركزي” المنتهية ولايته (أي ما نسبته 14 في المائة) أيّ انتماءٍ مسبق لـ «حزب العدالة والتنمية» عندما تمّ انتخابهم في مؤتمر الحزب في عام 2012.

العلاقة مع أردوغان

تمتّع عشرة من أعضاء المجلس (ما نسبته 20 في المائة) بصلات مباشرة بالرئيس، من بينهم شركاء أعمالٍ لأردوغان (مثل أزنور تشيليك وعمر بولات)، وأصدقاء عائلته (مثل نهاد زيبكجي) وزملاء سابقون له في الدراسة (مثل محمد مؤذن أوغلو)، فضلاً عن صديقٍ وحليف قديمٍ له من إسطنبول يُدعى محمد علي شاهين.

العلاقة مع غول

كان ستة أعضاءٍ (ما نسبته 12 في المائة) منتمين [إلى جماعة] الرئيس التركي السابق عبد الله غول. وبعد تحالف الأخير مع أردوغان لتأسيس «حزب العدالة والتنمية» في عام 2001، انتُخب غول لاحقاً رئيساً للجمهورية في عام 2007، لكنّه اختلف مع أردوغان في نهاية فترة ولايته عام 2014 وترك “حزب العدالة والتنمية”.

الشباب

كان عشرة أعضاء (ما نسبته 20 في المائة) تحت سنّ الأربعين، و26 عضواً (ما نسبته 52 في المائة) تحت سنّ الخمسين.

الجنس

ضمّ المجلس المنتهية ولايته 14 امرأةً، أي ما نسبته 28 في المائة من الأعضاء.

اللغات الأجنبية والتعليم

يحمل 12 عضواً (ما نسبته 24 في المائة) في “المجلس المركزي” شهادات في الدراسات العليا من خارج تركيا. ومن بين هؤلاء، تسعة ارتادوا جامعات في بريطانيا أو الولايات المتحدة، واثنان في ألمانيا وواحدٌ في سويسرا. ويتحدّث 37 عضواً (ما نسبته 74 في المائة) لغة أجنبية واحدة على الأقلّ: 33 عضواً يتحدّثون الإنكليزية، وثمانية يتحدّثون الألمانية، وثمانية يتحدّثون العربية، وواحدٌ الفرنسية، وآخر اليونانية، وثالثٌ الكردية. والجدير بالذكر أنّ رئيس الوزراء داود أوغلو يتحدّث أربع لغات هي الإنكليزية والألمانية والعربية والملايوية.

المجلس المُقبل:

يوفّر تحليل تكوين “المجلس المركزي” الجديد نظرةً إلى العقلية والاستراتيجيات المُحتَملة التي تميّز «حزب العدالة والتنمية» مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الشهر المُقبل (يُرجى تحميل جدول بيانات أعضاء المجلس المقبل).

الخلفية السياسية

         النظرة الوطنية [“رؤيا الملة”]: يكمن التغيير الأساسي في التركيبة السياسية للمجلس في انتماء عدد أقلّ من الأعضاء إلى تيار “رؤيا الملة”. أمّا الأعضاء الذين لهم خلفية في العمل مع «حزب الرفاه»/«حزب الفضيلة»، فقد انخفض عددهم من 14 إلى عشرة. ومن جملة الذين لم تتمّ إعادة انتخابهم عددٌ من قدامى الحزب ووزرائه السابقين مثل سعد الله أرجين وبولنت أرينج، وهو رئيس مجلس النواب التركي السابق وواحدٌ من القادة المؤسسين في «حزب العدالة والتنمية».

         اليسار ويمين الوسط: يميل ثلاثة من أعضاء المجلس الجديد (أي نسبة 6 في المائة) إلى اليسار أو يمين الوسط، بعد أن كانوا أربعة أعضاءٍ في المجلس المنتهية ولايته. ومن هؤلاء عائشة نور باسيكابلي، التي شغلت منصب رئيس فرع إسطنبول في «الحزب الشعبي الديمقراطي الاجتماعي»، وهو فصيل يساري انضمّ فيما بعد في عام 1995 إلى المعارضة الرئيسة في تركيا المتمثّلة بـ «حزب الشعب الجمهوري».

         اليمين القومي: يتبع عضوٌ واحدٌ جديد هو سلجوق أوزداغ فصيلين قوميين من اليمين، هما «حزب الاتحاد الكبير» و”حزب الحركة القومية”.

         الأعضاء الأصليون: يكمن التغيير الأساسي الآخر في حقيقة أنّ 31 عضواً من أعضاء المجلس الجديد هم إمّا من كوادر المؤسسين في «حزب العدالة والتنمية» أو أعضاءٌ انضمّوا إلى الحزب قبل عام 2011. وتشغل هذه المجموعة الآن 62 في المائة من المقاعد، أي بزيادة نسبتها 24 في المائة عن المجلس السابق.

         الوجوه الجديدة: يضمّ المجلس الجديد خمسة أعضاءٍ (ما نسبته 10 في المائة) انضمّوا إلى الحزب في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد أن كانوا سبعةً أعضاء في المجلس المنتهية ولايته.

العلاقة مع أردوغان

يضمّ المجلس المقبل المزيد من الأعضاء الذين تربطهم بأردوغان علاقات سياسية أو شخصية أو تجارية وثيقة، ويبلغ عددهم 17 عضواً (ما نسبته 34 في المائة)، أي أكثر بسبعة أعضاء عن المجلس السابق. ومن بين هؤلاء كبير مستشاريه برهان كوزو، ومحاميه الشخصي حياتي يازجي وصهره بيرات البيرق. وقد ارتفع عدد “الأعضاء الأصليين” الذين تربطهم بالرئيس علاقات وثيقة بشكلٍ أكبر، فأصبحوا 11 عضواً بعد أن كانوا أربعة فقط. ومن بينهم عمر تشيليك – مستشار أردوغان الشخصي منذ تأسيس الحزب، ويالسين أكدوغان – أولّ كاتب خطابات له في «حزب العدالة والتنمية» ، فضلاً عن مهدي إيكر – عضوٌ في فريق أردوغان التنفيذي منذ التسعينيات، عندما كان رئيساً لبلدية إسطنبول.

وينصّ الدستور التركي على أنّ الرئاسة هي منصب غير حزبي، وليس من المفترض أن تربط أردوغان علاقات رسمية مع «حزب العدالة والتنمية». لكنّ الزيادة الحادة في عدد أعضاء “المجلس المركزي” الذين على صلة وثيقة به ستسمح له بالإبقاء على نفوذه في الحزب.

العلاقة مع غول

انحفض عدد أعضاء المجلس الموالين للرئيس السابق عبد الله غول من ستة إلى عضوٍ واحدٍ فقط، مما يشير إلى نهاية “فريق غول” في «حزب العدالة والتنمية». وقد أخفق قدامى الحزب الرائدون والمعروفون بارتباطهم به – مثل بولنت أرينج وبشير أتالاي وصالح كابوسوز – بحصد مقاعد لهم. وفي حين أشار بعض المحلّلون إلى أنّ غول يمكن أن يمثّل منافساً محتَمَلاً لأردوغان، فإنّ نتائج التصويت في “المجلس المركزي للإدارة والتخطيط” ستحدّ على الأرجح من نفوذه داخل الحزب.

الشباب

يرتفع متوسط أعمار أعضاء المجلس المقبل عن سابقه، فقد انخفض عدد الأعضاء دون سنّ الأربعين من عشرة إلى ثمانية، في حين انخفض عدد من هم دون الخمسين من 26 إلى 24. ومن جملة الأشخاص الأصغر سناً الذين لم يشكّلوا جزءاً من المجلس الجديد شخصياتٌ من «حزب العدالة والتنمية» متوقّعٌ لها النجاح، مثل زلكيف كزدال ومصطفى أكيس.

الجنس

يهيمن الذكور بشكلٍ أكبر على المجلس الجديد مقارنةً بالمجلس المنتهية ولايته، فقد انخفض عدد النساء بنسبةٍ هائلةٍ بلغت 35 في المائة، من 14 إمرأةً إلى تسع نساء، وأصبحت النساء تشكّلن حالياً 18 في المائة فقط من “المجلس المركزي“.

اللغات الأجنبية والتعليم

يحمل 13 عضواً في المجلس شهاداتٍ في الدراسات العليا من خارج تركيا، أي أكثر بعضوٍ واحد عن المجلس السابق، وقد نالوا جميعاً شهاداتهم من مؤسسات أمريكية أو بريطانية. ويكمن أحد التغييرات الإيجابية في ارتفاع عدد الأعضاء الذين يتحدّثون لغةً أجنبية واحدةً على الأقلّ، إذ أصبح يبلغ عددهم 41 عضواً (ما نسبته 82 في المائة). وتتصدّر الإنكليزية هذه اللغات بـ 37 متحدّثاً (أي أكثر بخمسة أعضاء)، بينما ارتفع عدد الناطقين باللغة العربية من ثمانية إلى 11. ويضمّ المجلس أيضاً ستة متحدّثين باللغة الألمانية، واثنين بالفرنسية وآخرين بالكردية وواحدٌ باليونانية وآخر بالفارسية.

المحصلة

مقارنةً بالمجلس المنتهية ولايته، يضمّ “المجلس المركزي للإدارة والتخطيط” الجديد عدداً أقلّ من الأعضاء الشباب والنساء، مقابل عددٍ أكبر من الأعضاء الذين تربطهم بأردوغان علاقات وثيقة. وعلى الرغم من التفاخر بوجودٍ عددٍ أكبر من الأعضاء “الأصليين” في «حزب العدالة والتنمية» ، يبدو أنّ المجلس يبتعد عن أسلاف الحزب أصحابِ العقيدة الإسلامية، إذ انخفض عدد الأعضاء الذين يتّبعون تقليد “رؤيا الملة”. وعموماً، يبدو أنّ «حزب العدالة والتنمية» يتحوّل إلى تيارٍ يديره السياسيون الذكور الأكبر سناً، الذين هم من موالي أرودغان (الذي يبلغ من العمر حالياً 61 عاماً).

ويمكن أن يشكّل ذلك نقطة ضعفٍ للحزب، فقد أصبحت تركيا دولةً أكثر تنوّعاً سياسياً واجتماعياً في العقد الأخير، وذلك بفضل النموّ الاقتصادي الذي حقّقه أردوغان. ويبدو حالياً أنّ الرئيس التركي يعتقد بأنّ التدهور الاقتصادي وتردّي الوضع الأمني الداخلي سيحفّز الناخبين على تفضيل هيكلٍ يتمحور حول أردوغان ويكون أكبر سناً ويهيمن عليه الذكور، بوصفه صمّام أمانٍ ضدّ عددٍ من التهديدات مثل [تلك التي يشكّلها] «حزب العمال الكردستاني» المحظور. ولكي يستعيد «حزب العدالة والتنمية» أغلبيته التشريعية، ينبغي عليه أن يرفع رصيده من الأصوات من نسبة 41 في المائة التي حقّقها في انتخابات حزيران/ يونيو إلى نسبةٍ تتراوح بين 45 و 46 في المائة. ويأمل أردوغان على الأرجح بأنّ إعادة تنظيم “المجلس المركزي للإدارة والتخطيط” سيساعده على سدّ تلك الفجوة. وعلى مدى الأسابيع الأربعة المقبلة، ينبغي على واشنطن أن ترصد التطوّرات السياسية في تركيا، التي يمكن أن تحوّل الشائبة الأساسية في المجلس الجديد – أي التجانس السياسي – إلى ميزة إضافية، مع ما يحمله ذلك من تداعيات مُحتَملة على نتائج الانتخابات المُزمع إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر.

         سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف الكتاب باللغة الانكليزية “صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين” الذي سُمّي من قبل “جمعية السياسة الخارجية” كواحد من أهم عشرة كتب صدرت في عام 2014. جيم يولبولان، هو مساعد باحث في زمالة “إيفون سيلفرمان” في المعهد، وأنجليكا كيلينج هي باحثة متدربة في البرنامج التركي.

معهد واشنطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى