هل ينجحون باستعادة الثقة؟…
فاطمة طفيلي
تخطى الحراك المدني الشهرين على انطلاقته التي شكلت بارقة أمل للكثير من قدامى المناضلين، الذين شارفوا على اليأس من البلد ومن إمكانية الخلاص من السياسات القائمة على المحاصصة والمغانم بمعزل عن مصلحة المواطن وحقوقه البديهية بالعيش الكريم، الى درجة كادوا معها يغلقون أبواب الامل على إمكانية قيام حركة شعبية تخرج البلاد من حال السبات الطويل والاستسلام للمزيد مما يُفرض عليها من معاناة وقهر واستنزاف.
استبشر الناس مع بداية الحراك بصحوة شعبية حقيقية يحتاجونها لتحقيق احلامهم بالتغيير باتجاه العدالة الاجتماعية ودولة الحقوق والواجبات، ورأوا في الشباب بارقة امل جديد سرعان ما تهاوت وخفت بريقها، وبدلا من أن تتعزز الثقة بالحراك وتتسع دائرة التأييد والانخراط في التحركات المطلبية، بدأت ملامح الخيبة تتنامى مع ما شهده الحراك من تخبط وتناقض بلغ حد الانفلات والفوضى، وكانت الأيام الموعودة موسومة بنهايات بعيدة عن شعار السلمية المطروح، وترافقت في الغالب مع استفزازات غير مبررة لقوى الامن الداخلي ادت الى ما ادت اليه من مواجهات وتوقيفات، وغيرها مما لم يكن المواطن مستعدا للانخراط فيه، وهو الخائف مما انتهت اليه تحركات مماثلة في الكثير من بلدان ما سمي بالربيع العربي، من فوضى وخراب ما زالت شواهده قائمة في العراق وسوريا، ولم تنته بعد تردداته في كل من مصر وتونس وليبيا.
تبددت ثقة الناس بالحراك او كادت، بمعزل عن شبهات التبعية والانخراط في برامج السفارات وغيرها من مشاريع خارجية بسبب التناقضات التي بدت واضحة، وفي تعدد الشعارات المطروحة وفي الجهود المشتتة في أكثر من اتجاه، وفي التخبط بعيدا عن الخطط والاهداف البسيطة التي تراعي اولويات من اجلها كان ما وُصف بالتأييد الجارف
يضاف الى ما تقدم انعدام الحوار بين الناشطين انفسهم وبينهم وبين الهيئات الفاعلة والفئات الشعبية وفي ظل عدم الاعلان المسبق عن التحركات وأهدافها.
تراجع الناس سريعا خوفا من الشعارت الفضفاضة والارتجالية من مثل إسقاط النظام وشمولية الاتهامات، وقطع طرق التواصل مع المؤسسات الرسمية بمعزل عما يستدعيه ذلك من مخاطر على البلد وأهله في ظل عدم الاتفاق على البدائل الواقعية التي ترسم بدايات واثقة باتجاه التغيير.
خاف المواطنون مما سمعوه من شروط وتسميات للمقهورين وقد نُعتوا بالمندسين، وللناس البسطاء العفويين الذين أخرجتهم وطأة المعاناة عن صمتهم، ليجدوا أن وجودهم مجرد أعداد تضاف الى جمهور مهرجانات واستعراضات فولكلورية تحت عناوين التفرّد وصناعة النجوم ومشاريع القادة والزعماء، وبفعل ما سِيق من شروط مسبقة ومن مواصفات للمشاركين المقبول انضمامهم الى الحراك: لا ساسة ولا أحزاب ولا شعارات ولا انتماءات، بحجة ان التحرك مطلبي غير مسيس، فأي عقل سوي سيقبل ذلك والسياسة هي أساس كل العناوين والحلول؟!…
ناهيك عن بعض التعصب للرأي والنزاعات المستمرة حول الآولويات السياسية لجهة انتخاب رئيس للجمهورية أم إجراء انتخابات نيابية وفق قانون النسبية، وهنا أيضا تتعدد الآراء حول التقسيمات الإدارية: لبنان دائرة واحدة، محافظات أو أقضية… والاجتهادات كثيرة، فيما المواطن ينتظر حلولا للمسألة الآنية الأهم، التي تكاد تكون دائمة في ظل الاستعصاء القائم لحلها، أزمة النفايات وما تهدد به من مخاطر ستودي بالإنسان والبيئة معا، وقد باتت مفاعيلها أمرا واقعا شئنا ذلك أم أبينا، ومعالجتها هي الأخرى تحتاج الى سنوات، حتى لو بدأنا اليوم بمعالجة الأسباب.
يحتاج الحراك الى استعادة الثقة الشعبية به، بداية عبر تحقيق نجاح ملموس في قضية واحدة، والمراكمة عليه باتجاه المزيد من الخطواط المطلوبة وهي كثيرة، يساعد على ترتيبها ان يقتنع الشباب بثقافة الحوار وبمنطق التكامل بين مكونات هذا الوطن، ولا يكفي تبرير النجاح بما تحقق لجهة إلغاء المناقصات السابقة وسحب ملف النفايات من يد الوزير المعني، طالما الازمة مستمرة لا بل في أوجها، فيما الحلول مستعصية والحال على ما هو عليه الى مزيد من التعقيد.
يعِد الناشطون البارزون في الحراك بأنهم يعيدون النظر في خطواتهم باتجاه فتح قنوات الحوار مع أطياف المجتع اللبناني كافة ومن ضمنهم الخبراء والمتخصصون، ويستمهلون أياما معدودة لحل أزمة النفايات، من دون إعلان المزيد حول الوسائل والآليات، فهل سينجحون بذلك؟. إن فعلوا سيكسبون الرهان مجددا، ويستيعيدون ثقة تكاد تكون مفقودة وأملا يتراجع بالمراهنة عليهم، وإلا ستقبى تحركاتهم مجرد استعراضات خاوية تتوكأ على تجارب الآخرين، ومن ضمنها استحضار تجربة البو عزيزي التونسي، وفي ذلك غرق في الفشل في بلد له خصوصيته، الذي تميزه عن كل البلدان العربية، وتفرض ان تكون الحلول وليدة واقعه الخاص ونتيجة حوار وتفاهم داخليين، ولا تنفع معه الحلول الجاهزة المستندة الى تجارب الآخرين.