هل دقّت ساعةُ حلب؟: ضربات روسيّة موجعة… والجيش والحلفاء يواصلون الحشد صهيب عنجريني
تتجه الأنظار إلى كبرى المحافظات السوريّة حلب، مع استمرار الجيش السوري وحلفائه في الحشد والتجهيز لعملية تبدو غير مسبوقة. المجموعات المسلّحة كانت قد مُنيت بخسارات جسيمة من جرّاء الغارات الروسيّة الجويّة المتتالية، كما تعاني من جراء معارك الاستنزاف المستمرّة ضد «داعش»، ما يجعلُ حصولها على مزيد من الدعم شرطاً أساسيّاً لقدرتها على مواجهة «العاصفة»
حلب | ليس جديداً أن تكونَ الأنظارُ موجّهة إلى المشهد العسكري في حلب، لكنّ حجم الاستعدادات التي ينهمكُ فيها معسكر الجيش السوري وحلفائه في «عاصمة الشمال» هو الجديد هذه المرّة. وبالتزامن مع عودة جبهات ريف حلب الشمالي إلى الاستعار على وقع المعارك بين تنظيم «الدولة الإسلاميّة» من جهة ومجموعات «الجبهة الشاميّة» وحلفائها من جهة أخرى، ومع بدء الجيش السوري عمليات جديدة تهدف إلى فك الحصار الذي يفرضه «داعش» على مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي، واصل الجيش وحلفاؤه استقدامَ حشود عسكريّة غير مسبوقة إلى مناطق سيطرة الدولة السورية في ريف حلب، ما يوحي بأنّ العملية الكُبرى باتت على وشك الانطلاق.
الأرتال الجديدة التي تدفّقت في الأيّام الأخيرة اشتملت على أسلحة ثقيلة (بعضُها يدخل حلب للمرّة الأولى) وعلى قوّات سوريّة وحليفة انضمّت إلى أخرى تتمركز على مسافة لا تزيد على 25 كيلومتراً جنوب شرق حلب، وفي نقطة يمكن استخدامها منطلقاً نحو غير جبهة: شرقاً باتجاه كويرس، وغرباً باتجاه الزربة، وجنوب غرب باتجاه أبو الضهور (ريف إدلب الشرقي).
وخلال اليومين الماضيين انتقل قسمٌ من القوّات والمعدّات إلى داخل مدينة حلب ليتمركز في ثكنة المهلّب المطلّة على حي بني زيد، أحد أبرز معاقل المسلحين في المدينة، ونقطة الانطلاق الدائمة لـ«مدافع جهنّم» التي دأبت على استهداف المناطق السكنيّة الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية. وتواصل الطائرات الروسية شنّ غارات في محيط حلب، ألحق بعضُها خسائر فادحةً بالمجموعات المسلّحة. وهي خسائر لا يبدو تعويضها سهلاً في المدى المنظور، ومن أبرزها تقويض معسكر «الشيخ سليمان» على نحوٍ شبه كلي. ويُعتبر المعسكر المذكور أبرز معسكر أقامته الجماعات المسلّحة داخل الأراضي السوريّة على الإطلاق. وشهد «الشيخ سليمان» تدريب كوادر «جهاديّة» انخرطت في صفوف معظم المجموعات، من «داعش» مروراً بـ«جبهة النصرة» وليس انتهاءً بـ«جيش المهاجرين والأنصار». كذلك، دمّرت المقاتلاتُ الروسيّة مستودعاتٍ عامرةً بأسلحة وذخائر في منطقة المنصورة (ريف حلب الغربي) كان قائد «لواء الأنصار» حسام الأطرش قد عمل شهوراً على تجهيزها، مستفيداً من مبلغ الفدية الذي حصل عليه مقابل إطلاق الناشطتين الإيطاليتين (فانيسا مارزولو وغريتا راميلي) قبل أن تؤول ملكيّة المستودعات إلى «جيش المجاهدين» بقرار «لجنة تحكيم شرعيّة» («الأخبار»، العدد 2708). كذلك أدّت الغاراتُ إلى تقويض مجمّع «كارفور» في الليرمون (6 كلم شمال حلب)، الذي كان بمثابة غرفة عمليات وإمداد خلفيّة في معظم المعارك التي شنّتها المجموعات في تلك المنطقة.
ولا يبدو أنّ استقدام التعزيزات قد بلغ مداه النهائي، إذ تواصل وُرش فنيّة العمل سريعاً على توسعة طريق «أثريا ــ خناصر ــ السفيرة». ورغم أنّ مصادر رسميّة أكدت لـ«الأخبار» أن «هذه الأعمال جزء من أعمال صيانة تهدف إلى تحسين الطريق الذي بات صلة الوصل الوحيدة للمسافرين والبضائع بين حلب وباقي المحافظات»، غيرَ أنّ التوسعة التي يجري العمل عليها منذ أواخر الشهر الماضي تصل في بعض نقاط الطريق إلى أكثر من ضعف عرضه الحالي، وهو أمرٌ لا تبدو الغاية منه في هذا التوقيت بالذات تحسين طريق سفر عادي في منطقة تتحوّل تدريجيّاً إلى منطقة تحشيد عسكرية. وعلى نحوٍ مشابه، يشهدُ مطار النيرب العسكري (جنوب شرق) أعمالاً فنيّة، وسط أنباء عن حضور عدد من الخبراء الروس بشكل دائم في المطار. ويتاخم المطار المذكور مطار حلب الدولي الذي توقفت حركة الملاحة الجويّة فيه منذ ما يزيد على عامين، رغم صلاحيته الفنية.
ووفقاً لمناطق تمركز الحشود العسكريّة، يبدو أنّ خطة العمليات العسكريّة تأخذ في عين الاعتبار التحرّك على محاور عدّة في الوقت ذاته. فعلاوةً على تحرّك لا بدّ منه داخل مدينة حلب يستهدف حي بني زيد، يبدو أنّ تعديلات جوهريّة قد دخلت على خطّة «طوق حلب» تلحظ توسيع نطاق السيطرة شرقاً وجنوباً (ولاحقاً محاولة بسط السيطرة غرباً في اتجاه خان العسل). أمّا في الشمال والشمال الشرقي، فيحتفظ الجيش بنقاط سيطرة عدّة، أبرزها في الشيخ نجّار والمسلميّة وباشكوي. وتتيح الأخيرةُ الانطلاق نحو رتيان وبيانون تمهيداً لفك الحصار عن نبّل والزهراء، في إعادة إحياء لـ«طوق حلب» بنسخته السابقة التي توقف العمل فعليّاً عليها منذ شباط الماضي. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ مفاعيل عمليّة من هذا النوع تتجاوز إطباق الحصار على المجموعات المسيطرة داخل أحياء حلب الشرقيّة، وهو أمرٌ يكاد يكونُ محقّقاً في حال تعاون الفصائل الكرديّة التي سيطرت أخيراً على حي الشيخ مقصود (شمالي حلب) بالكامل، ما يتيح لها السيطرة ناريّاً على طريق الكاستيللو. ميدانيّاً، أفلح الجيش أمس في التقدّم مجدداً في مساعيه نحو فك حصار مطار كويرس العسكري عبر السيطرة على بلدة تل النعام. ويشار إلى أن الجيش وتنظيم «داعش» قد تبادلا السيطرة على هذه البلدة مرّات عدة. ولا تعني هذه السيطرة بالضرورة أنّ الخُطى نحو كويرس قد باتت أقصر بكثير من قبل بحساب الجغرافيا، بل تكمن أهميتها الفعلية في توسيع السيطرة في محيط مدينة السفيرة، كما تمكن الإفادة منها منطلقاً لعمليات جديدة.
إلى ذلك، أفادت مصادر محلية عن قيام مروحيّات تابعة للجيش السوري بإلقاء منشورات ورقيّة في عدد من قرى ريف حلب الشمالي «تدعو السكان إلى الابتعاد عن مواقع المسلحين والخروج من مناطقهم»، والمسلّحين إلى «إعادة حساباتهم ورمي السلاح قبل فوات الأوان».
المسلّحون في انتظار الدعم
الخطر الذي تستشعره المجموعات المسلّحة في حلب وريفها بات مضاعفاً في الأيام الأخيرة. وتشير معلومات متقطعة حصلت عليها «الأخبار» من مصادر عدّة إلى أنّ «قيادات الفصائل قد وجّهت نداءات استغاثة شديدة اللهجة إلى الجهات الداعمة». ووفقاً لمصدر محسوب على «الجبهة الشاميّة»، فإنّ «الإخوة الداعمين قد أكّدوا عزمهم على زيادة الدعم نوعاً وكمّاً في الأيام القليلة القادمة». وقال مصدر آخرٌ تابعٌ لـ«حركة أحرار الشام الإسلاميّة» إنّ «الأمل كبير في النتائج التي ستسفر عنها المشاورات التركيّة السعوديّة (في إشارة إلى زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لتركيا)». وكان الأخير قد أكّد خلال مؤتمر صحافي عقده أمس مع نظيره التركي فريدون سينيرلي أوغلو أنّ «بلاده حريصة على دعم المعارضة السورية المعتدلة»، وأن موقف بلاده «ثابت في هذا الشأن».
(الأخبار)