الاتحاد الأوروبيّ وحلف الأطلسيّ: الانقسام ينتقل إلى تركيا عامر نعيم الياس
مفاجئٌ هذا التدخل العسكري الروسي في سورية، ومربكٌ للغرب. فالمعادلات التي أريد لها أطلسياً وأميركياً وأوروبياً أن ترتسم من سورية انقلبت بالاتجاه المعاكس وبدأت تخط أسسها في إرغام المحور المعادي لروسيا وسورية وإيران على التكيّف مع عالم متعدد الأقطاب.
المشكلة في سورية لم تعد الأسد، والحل لم يعد استمرار الاستنزاف إلى المرحلة التي تسقط فيها الدولة السورية تلقائياً أو تسلّم مفاتيح دمشق للغزاة ليعيدوا تركيب المشهد السياسي السوري وفق استراتيجية إعادة رسم العالم أميركياً، لا بل المشكلة باتت في مواجهة الحلفاء بعضهم لبعض، والوفاء بمتطلبات أمنهم القومي والاتفاقيات التي تقول بوجود ترابط مصيري في ما بينهم.
اجتمع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي في بروكسل، جدول الأعمال كان مكرّساً إلى حدٍّ كبير لمعايير إعادة تأمين الحلفاء في أوروبا الشرقية وطمأنتهم في مواجهة النفوذ الروسي، فضلاً عن الإشكالات التي تواجه الحلف في أفغانستان، والأزمة السورية التي قلب التدخل العسكري الروسي فيها المعطيات. فالحلف «قلق من عدم القدرة على دخول الأجواء السورية»، كما أنه قلق على تركيا، لكن الاجتماع لم ينتهِ سوى إلى معالجة هواجس الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إعلامياً، فلا تدخل في سورية، ولا قدرة على إزعاج الروس الذين نشروا أنظمة دفاع جوي ورادارات للتشويش على الضفة الشرقية للمتوسط، فيما الحلّ الوحيد أمام الحلف في قمّته التي ستعقد في وارسو في تموز من السنة المقبلة هو التماهي مع استراتيجية أوباما في ظهوره الأطلسي الرسمي الأخير، واعتماد «أولوية بناء القدرات للمساعدة على استقرار الدول الهشة من دون نشر قوات قتالية بأعداد كبيرة خارج الحلف». إذاً لم يتم تناول ملف مصير الرئيس السوري بشار الأسد أطلسياً، وترك التركي واختلافه عن الأطلسي في هذه الحيثية تحديداً والاستراتيجية السورية عموماً إلى هواجسه التي باتت مصدر إزعاجٍ لحلفائه.
على الضفة الأخرى، يجتمع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في بروكسل يومَي الخميس والجمعة في ظل مشهدٍ مليءٍ بالمصاعب التي يواجهها الاتحاد، بدايةً بأزمة اللاجئين السوريين، وليس انتهاءً بالوجود العسكري الروسي في سورية وبحث سبل الردّ عليه، تساؤلاتٌ حول مستقبل الأسد ومصير هذه النقطة الإشكالية، والموقف الذي يجب اعتماده تجاه تركيا ودورها في النزاع السوري المسلّح وصولاً إلى إغراق القارة الأوروبية باللاجئين فوفقاً لوثائق حصلت عليها صحيفة لوموند الفرنسية فإن «الاجتماع الجديد لقادة أوروبا يواجه خطر خروجه بنتائج ضحلة نظراً لعدم وجود رؤية مشتركة». وفي هذا السياق يحضُر الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية دول الاتحاد في لوكسمبورغ الأسبوع الماضي، والذي خرج بما يمكن تسميته اتفاق الحد الأدنى، هذا الاتفاق الذي سلّم في بيان الاجتماع بعدم المرور على الرحيل الفوري للرئيس الأسد، وهو ما يمثّل تراجعاً رسمياً عن المواقف السابقة، فيما عكست كلمات وزراء الخارجية افتراقاً عن الموقف الفرنسي المتشدّد تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، والذي يبدو أنه يغرّد خارج السرب الألماني والبريطاني البلجيكي والإسباني، فيما البيان أورد نقطة تتعلق بالمستقبل محافظاً على الغموض بشأن الحاضر فالرئيس السوري «لا يمكن أن يكون شريكاً في محاربة داعش». هنا يحاول الأوروبيون دق جرس الإنذار بوجه واشنطن خوفاً من صفقة محتملة بينها وبين موسكو بشأن الملف السوري، والتي يبدو أنها باتت تسيطر على طريقة التفكير الأوروبي في الملف السوري والتي على أساسها يتم تبني استراتيجية أكثر ليونة تجاه موسكو، وهو ما يضع مجدداً أوروبا كما الأطلسي في مواجهة العقدة التركية التي ترفض حتى اللحظة «إضفاء أي شرعية على الحكومة السورية»، وفقاً للتصريح الأخير لرئيس وزراء تركيا أحمد داود أوغلو، ويُفرز بالتالي انقساماً أوروبياً من الموقف تجاه أردوغان الذي «عزل بلاده عن المشهد الدبلوماسي الدولي»، وفق رونو جيرار كبير محرري صحيفة لوفيغارو.
(البناء)