مقالات مختارة

تركيا.. حسابات انتخابية دموية محمد نور الدين

 

هزّ أنقرة انفجاران متتاليان يوم السبت الماضي أسفرا عن مقتل مئة شخص وجرح مئات آخرين.

كان انفجار وقع قبل ذلك في الخامس من يونيو/حزيران الماضي قبل الانتخابات النيابية بيومين واستهدف مهرجاناً انتخابياً ل«حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي وذهب فيه عدد من القتلى.

ووقع انفجار في 19 يوليو/تموز في مدينة سوروتش التركية المحاذية للحدود السورية. واستهدف تجمعاً للأكراد واليساريين المؤيدين ل«حزب الشعوب الديمقراطي» وكانوا متوجهين الى مدينة عين العرب/كوباني في سوريا للمساعدة في إعادة إعمار المدينة بعد المعارك مع تنظيم «داعش». وكانت المحصلة مقتل 32 شخصاً وجرح أكثر من مئة.

أما التفجير الثالث المزدوج فهو الذي حصل في محطة قطارات أنقرة، واستهدف تجمعاً كان يتحضر للقيام بمهرجان كبير للمنظمات المدنية وتلك المؤيدة ل «حزب الشعوب الديمقراطي» دفاعاً عن الديمقراطية والسلام.

انفجار أنقرة اختلف عن سابقيه كان أكثر دموية، بلغ عد القتلى المئة والجرحى بالمئات وكان الأكثر دموية في تاريخ تركيا، ثم إنه حصل في قلب العاصمة التركية أنقرة التي لم تعرف مثيلاً له سابقاً، ثم إنه أيضاً حصل قبل عشرين يوماً من الانتخابات النيابية المبكرة التي ستحصل في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

من اللحظة الأولى طرح التساؤل عن الجهة التي تقف وراء الانفجار. وعن مدى السهولة التي تم تنفيذ الانفجار بها. إذ ليس هناك من عملية عسكرية أو تفجيرية بحد ذاتها حتى لو كان بالإمكان القيام بها بجهد فردي. ما يبدو على أنه عمل سياسي جماعي بامتياز تقوم به جهات قادرة ومنظمة وعلى مستوى عال من الاستطلاع خصوصاً أنه جاء في لحظة سياسية دقيقة.

معارضو «حزب العدالة والتنمية» يربطون بين الانفجار ورغبة الحكومة بتخويف الأكراد وغير الأكراد وعدم الذهاب إلى صندوق الاقتراع لكي تخلو الساحة لمؤيدي «حزب العدالة والتنمية»، أو على الأقل لكي يغير الناخب الكردي أو المؤيد للأكراد رأيه ويقترع ل«حزب العدالة والتنمية» وإلا كان مصيره القتل من وقت لآخر. كما أن هناك من يربط بين العملية التفجيرية واستطلاعات الرأي التي لا تحسم إمكانية حصول «حزب العدالة والتنمية» على الغالبية المطلقة في البرلمان في الانتخابات النيابية المقبلة. وبالتالي فإن إحداث «حزب العدالة والتنمية» بزعامة أردوغان توتيرات أمنية واسعة هدفه إرجاء الانتخابات النيابية الى وقت أكثر مناسبة للحزب.

زعيم «حزب الشعوب الديمقراطي» صلاح الدين ديميرطاش يؤكد هذه النظرية ويقول إن الدولة لم توفر أي حماية أمنية للمهرجان. كذلك استغرب ديميرطاش من تصريحات المسؤولين الحكوميين أنه لم يكن هناك أي ثغرات أمنية، وقال إن الذين يقفون وراء تفجير أنقرة معروفون فهم الذين وقفوا وراء تفجيري ديار بكر وسوروتش ملمحاً إلى مسؤولية حكومة «حزب العدالة والتنمية».

«حزب الشعب الجمهوري» حمّل الحكومة مسؤولية التفجير بسبب سياساتها في الشرق الأوسط والتي حوّلت تركيا إلى بلد شرق أوسطي، داعياً إلى تغيير هذه السياسات. وقال زعيمه كمال كيليتشدار أوغلو إنه في وقت كان القتلى والجرحى ينقلون إلى المستشفيات كان وزير العدل يطلق بكل استخفاف ضحكات وقهقهات. أما زعيم «حزب الحركة القومية» دولت باهتشلي فقد رفض أن يلبي دعوة رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو الالتقاء به داعياً إياه إلى الكشف عن الحقيقة.

الأصابع كلها تتوجه إلى الدولة التركية، خصوصاً أن الاستخبارات التركية قوية ومع ذلك فلم تستطع الحؤول دون انفجار سوروتش والآن انفجار أنقرة. وفي هذا الإطار فإن الشائعات تتحدث عن احتمال أن يكون حاقان فيدان رئيس الاستخبارات كبش فداء ليخرج رجب طيب أردوغان من هذا المأزق بأقل الأضرار.

وكيفما نظرنا فإن عملية التفجير في أنقرة باستهدافها فئة محددة من الأتراك دون غيرها وهي المؤيدة ل«حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي تعزز الاعتقاد بارتباط التفجير بحسابات داخلية متصلة بالانتخابات ورغبة سلطة «حزب العدالة والتنمية» العودة منفرداً إلى السلطة. غير أن التفاعلات والتداعيات قد لا تخدم هذا الهدف تماماً، كما أخفقت حسابات الحزب في الانتخابات الماضية.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى