بعد الدخول الروسي… كيف سيكون شكل الحكم اللبناني؟ د. ليلى نقولا
لا يشذّ لبنان وسياسيوه عن العالم الذي ينظر مترقباً ومشدوهاً، بانتظار أن يتبلور مصير الحملة الروسية على الإرهابيين في سورية، والتي تترافق مع هجوم برّي يتقدم فيه الجيش السوري على محاور عدّة، بينما اكتفى الأميركيون بالردّ – لغاية الآن – بإلقاء السلاح للمجموعات الارهابية وقصف محطتين للكهرباء في حلب، بذريعة استهداف عناصر “داعش” الذين يسيطرون على المحطة منذ أكثر من عامين، والذي أدّى إلى تدمير المحطات بالكامل، وحرمان حلب من الكهرباء .
وفي لبنان، يستمر مشهد المراوحة وتقطيع الوقت، وانتظار تبلور نتائج الحرب السورية، والتي كلما دخلت منعطفاً مختلفاً وتبدّلت موازين القوى فيها، تبدّل المشهد السياسي اللبناني، وتبدّلت مواقف بعض الأطراف اللبنانية، للتناغم معها، وانتظار فرصة مؤاتية لقضم المزيد من حقوق الآخرين، أو من حقوق المواطنين.
مع بداية الحرب في سورية، حلم “تيار المستقبل” وباقي المجموعات التي تدور في فلكه، بسقوط وشيك لسورية، وأن قيامهم بدعم “الثورة السورية” سيتيح لهم حكم لبنان وسورية معاً، وأن القضاء على النظام السوري سيكون مقدمة للقضاء على المقاومة في لبنان، والثأر لحرب تموز 2006 وما بعدها، لكن حساب الحقل السوري لم يطابق بيدر “تيار المستقبل” ومن ورائه السعودية وقطر وتركيا والحلف الغربي، فصمد السوريون، ووعت المقاومة خطورة ما يتهددها، فانخرطت في الحرب السورية في أوائل عام 2013، وبدّلت موازين القوى على الأرض.. وساهم سقوط المشروع “الإخواني” بحلحلة العُقد اللبنانية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ما زالت تترنح لغاية اليوم، ولا تسقط.
استمرت حال التهدئة، ودخل الرئيس سعد الحريري في حوار مع العماد ميشال عون، وتمّ الاتفاق على تفاهمات داخلية سرعان ما أتى سقوط جسر الشغور وتقدُّم المجموعات المسلحة السورية على حساب الجيش السوري ليسقط التفاهمات اللبنانية بالضربة القاضية، ويؤدي إلى سيادة منطق وفكر إلغائيَّين مارسهما “المستقبل” وانخرطت فيهما بعض المجموعات السياسية الأخرى، وعاد البعض إلى المنطق الذي ساهم مع عوامل عدّة في إشعال الحرب اللبنانية في 1975، وهو منطق العزل والكسر لفئة من اللبنانيين.
ومع دخول الروس اليوم، يسود منطق الانتظار لانجلاء غبار المعارك، وعلّ التسوية في لبنان تأتي مكمّلة للتسوية في سورية، وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن اتجاهات عدّة للحل:
1- أن يؤدي الانتصار الميداني الروسي – السوري للاتيان برئيس ينتمي إلى المحور المنتصر.
2- أن يدخل الروس في تسوية شاملة في المنطقة، بعد تغيير موازين القوى التي تدفع الغرب وحلفائهم الإقليميين بالقبول بالذهاب إلى الحل السياسي، ويبقى السؤال هنا: هل ستسمح موازين القوى للروس بالوصول إلى تسوية تأتي بالرئيس السوري بشار الأسد ومعه رئيس لبناني ينتمي إلى المحور الذي يمثّلونه، أم أن عليهم أن يتخلوا عن أحدهما؟
3- أن ينهزم الروس في سورية، فتتمّ الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، ومعه يأتي رئيس لبناني يشبه ميشال سليمان.
الأكيد أن الروس لن يُهزموا في سورية، وأن المحور المتشكّل من حدود لبنان إلى سيبيريا مروراً بسورية والعراق وإيران يمتلك الكثير من مقومات القوة التي تجعله عصياً على الانهزام، بينما يعاني الحلف المقابل من تصدعات داخله، وتمرّ أذرعه الإقليمية بفترات من عدم الاستقرار والتوتر، ما قد يجعل من الصعب جداً عليهم الانتصار أو إغراق الروس في المستنقع السوري.
والأكيد، بحسب ما صرّح الروس، أنهم يريدون توظيف أي انتصار ميداني في خدمة تسوية شاملة مع الأميركيين في المنطقة، فما الذي يمكن أن يكون عليه شكل الحكم القادم في لبنان؟
في البداية، من الضروري التأكيد أن الدول ليست جمعية خيرية، وليست ذات مبادئ عقائدية، وأن الروس سيأخذون بعين الاعتبار مصالحهم بالدرجة الأولى، لكن، سواء كان الروس أو الأميركيون أو سواهم، فإن قرارات الدول الكبرى لم تعد بالنسبة إلى شعوب المنطقة قدراً محتوماً، ومن يراهن على أن الروس يستطيعون حسم كل شيء في المنطقة مع الأميركيين يبدو واهماً، ولنتذكر في هذا المجال التصريحات التي أطلقها بوغدانوف خلال عامي 2012 و2013 حول مصير الرئيس السوري، وإبدائه آراءً حول رؤية موسكو بأن على الأسد ألا يترشّح للرئاسة عام 2014.. فها هي موسكو اليوم تعيد النظر وتعتبر الرئيس السوري من صلب استراتيجيتها في المنطقة.
وقياساً على ذلك، فإن موازين القوى المحلية اللبنانية يمكن أن تلعب عاملاً حاسماً في تحديد هوية وصورة وشكل الحكم اللبناني بعد التسوية وقبلها، شرط أن يتحلى اللبنانيون بالصبر والقوة وصلابة الإرادة لفرض ما يريدونه على القوى الكبرى، وللقول للعالم: انتهى عصر الأوامر الخارجية، وجاء عصر القرار اللبناني الحر.