مبادرة بوتين والارتباك الغربي
غالب قنديل
ولدت مبادرة الرئيس بوتين حالة من الارتباك والبلبلة في عواصم الغرب فهي رسمت قواعد جديدة للصراع الدائر في المنطقة والعالم انطلاقا من سورية ومن قواعد التعامل الروسي مع ما سمي بالأزمة السورية وتحدي الخطر الإرهابي .
اولا فرضت روسيا ميدانيا أولوية الطريق الواقعي لمنع ارتداد الإرهاب عبر سحقه في معاقله التي رعاه فيها حلف العدوان على سورية بقيادة الولايات المتحدة التي تعترف بعجز حملتها ضد داعش بعدما تكشفت عن خطة للتكييف والإخضاع عبر رد الإرهابيين إلى مظلة السيطرة الأميركية الغربية الخليجية التركية التي انطلقت مع غرفة عمليات ديفيد بيترايوس .
أكد الرئيس فلاديمير بوتين أن الطريق إلى سحق الإرهاب هو طريق احترام الشرعية الدستورية السورية والتعاون مع الدولة الوطنية السورية والجيش العربي السوري القوة الوحيدة الفاعلة على الأرض في مطاردة العصابات الإرهابية وليس توظيف الإرهاب لاستنزاف الدولة الوطنية السورية والرهان على تصنيع خرافة كاذبة وافتراضية ثبت سقوطها هي ما سمي بالمعارضة المسلحة المعتدلة التي نقلت آلاف اطنان السلاح والذخائر الغربية والخليجية إلى مستودعات داعش والقاعدة على الأرض السورية وحظيت بمليارات الدولارات التي باتت في خزائن داعش والنصرة عبر تجيير المساعدات الخليجية وحاصل بيع النفط المنهوب بالشراكة مع أردوغان.
ثانيا حسمت روسيا أولوية القضاء على الإرهاب في إطلاق مسار سياسي سوري قوامه الحوار والشراكة والاستقلال الوطني أي إسقاط جميع التدخلات والشروط التي تعترض طريق الاحتكام إلى الإرادة الشعبية السورية في صنع مستقبل سورية .
هذه الحقيقة هي حاصل سياسي لتجربة المبادرات والمحاولات السياسية التي تجاوبت معها الدولة الوطنية السورية منذ انطلاق العدوان على سورية لتفك بين ما هو تدخل خارجي وتهديد إرهابي وبين ما هو شأن داخلي سوري وجميع تلك المحطات في المسار السياسي قوبلت بالتعطيل والمنع وبقرار من الولايات المتحدة وشركائها في حلف العدوان أي دول الناتو وتركيا وقطر والسعودية والأردن.
وبالتالي فالخطوات العسكرية الروسية بالشراكة مع الدولة السورية والعراق وإيران والمقاومة اللبنانية هي الطريق لفتح المسار السياسي بعد القضاء على الإرهاب واسترداد سيطرة الدولة الوطنية على كامل التراب السوري .
ثالثا ارتبك الغرب بقيادة الولايات المتحدة وارتبكت حكومات العدوان الإقليمية لأن المبادرة الروسية أسقطت الابتزاز المتمثل باستمرار تعطيل المسار السياسي وبرفض إغلاق خطوط الدعم المالي والعسكري والبشري للعصابات الإرهابية رغم القرارات الدولية ذات الصلة والانكى ادعاء الغرب وعملائه محاربة الإرهاب بحركات مشهدية أقرب إلى الدغدغة الجوية مقارنة بما حصدته الحملة الروسية السورية خلال أيام.
دول حلف العدوان تستشعر ملامح تبدل قد يتحول انقلابا في توازنات الميدان في حين تواجه جميعا مخاطر جدية لارتداد الإرهابيين ( خصوصا تركيا والسعودية ) ويطغى على حكومات اوروبا هاجس عودة الإرهابيين وتدفق المهاجرين معا ومن الواضح ان التكيف مع المعادلات الجديدة الناتجة عن المبادرة الروسية وعن الاتفاق النووي الإيراني تقتضي الرضوخ لحقيقة الدور والمكانة القيادية للرئيس بشار الأسد كزعيم شعبي يمثل غالبية السوريين الساحقة وكقائد وطني مقاوم يتصدى لخطر الإرهاب التكفيري على بلاده ودول العالم كافة .
أسقط بوتين دفعة واحدة جميع هوامش التلاعب والابتزاز والإزدواجية في المواقف وبات على حكومات الغرب ان تراجع حساباتها وهي تراوغ حتى الآن لأنها تتهيب كلفة الانعطاف إلى التعامل مع الرئيس بشار الأسد وتبدو مدعاة للسخرية والتندر معادلة ” نتعاون معه للقضاء على الإرهاب ثم يرحل ” ليس فقط لأنها امتداد للعنجهية الاستعمارية وللصلف المعادي للشعوب الحرة بل اكثر لأنها استحالة مطلقة فمن هو المخبول الذي يظن ان الزعيم الذي سيقود معركة خلاص بلاده من عصابات الإرهاب ومن العدوان الاستعماري يمكن ان تهز مكانته لدى شعبه بمجرد رغبة من حكومات اجنبية معادية وفاشلة ومتآمرة .
رابعا أعراض التلعثم الغربي مستمرة والحقيقة القاهرة لانتصار الأسد مع شعبه وقوات بلاده المسلحة باتت قيد التحقق على أرض الواقع ولن يكون بمقدور الزعماء الغربيين غير لحس تصريحاتهم وبلع ريقهم وانتظار تحديد مواعيد لموفديهم في دمشق وبالوساطة الروسية الإيرانية طبعا !.
سوف تنشغل الدبلوماسية السورية بوضع علامات للحكومات الأوروبية تتصل بسرعة التكيف وبمضمون الترسبات العدائية في المواقف والتصريحات وبمدى سلاسة الانتقال إلى خطاب واقعي يحترم السيادة السورية والشرعية الدستورية في الجمهورية العربية السورية وعلى ذلك يبنى الكثير .
الأكيد ان بريطانيا وفرنسا المتورطتين في أشد المواقف عدائية لهما حساب خاص لدى القيادة السورية والأكيد ان محاولات استرجاع بعض المصالح والعلاقات الاقتصادية مع سورية ستكون أشد صعوبة قبل جردة الحساب وتسديد موازين الخلل الخطير الناتج عن التورط بالعدوان على دولة سعت بكل إيجابية إلى أفضل العلاقات مع الآخرين ولم تلق سوى الغدر والتآمر ويعرف القادة الغربيون ان للزمن ثمن ومن يستعجل تكويعته يحصل على الفرصة الأفضل لحفظ القليل الباقي من ماء الوجه.